سيبونى اتوه

كائنا ما كان ألا أوجد كان هو الأفضل

الأربعاء، نوفمبر ٢٢، ٢٠٠٦

سيادة الوزير حمدالله علي السلامة


سيادة الوزير.. حمدا لله علي السلامة -->
هاني درويش-->تصريحات وزير الثقافة المصرية الأخيرة ممكن أن نطلق عليها قنبلة الموسم الدخانية، فالوزير البعيد منذ بداية فترة ولايته الطويلة عن الدخول إلي ضم الإسلاميين، اكتشفت فجأة أن الحجاب أصبح ظاهرة، وهو مايؤكد أن الوزير نفسه لايري الشارع المصري العادي من شرفة قصره البديع علي نيل القاهرة، لكن فالنتخيل أن سيادة الوزير المهموم قد اكتشف فجأة الشارع، بعيدا عن أطنان الأرقام عن ثقافة التنوير القابعة في مخازن هيئات وزارة الثقافة ثم بعيدا عن آرائه المحافظة في الإبداع ومعاركه التاريخية التي سلم فيها بالعشرة لهجمات قوي الإسلام السياسي، ثم أخيرا بالوضع في الاعتبار احتياجه إلي معركة دخانية تعيد زوايا الكاميرا لملعبه الخالي من النشاط، علي المستوي الأول هناك تعريف للماء بالماء، فاندهاش الوزير متأخر، واسترساله عن صور أمهاتنا دون الحجاب لايحتاج إلي اكتشافات الوزير فإطلالة في أي ألبوم عائلي أحق بتلك الملاحظة، ثم الحديث عن التدين الشكلي والدعاة والشيوخ بثلاثة ملاليم هو حديث كتب ودراسات ومناقشات صحفية واسعة ترفع الوزير كثيرا عن الدخول فيها، إذا لماذا هذا التورط المتأخر والإنفعالي فيما ضجر المثقفون من الحديث عنه؟؟كذلك لايستقيم ذلك مع مواقف الوزير الفنان 'المراعية لأخلاق وقيم المجتمع' وهي الحجة والتبرير الذي ساقه الوزير عندما عصفت بوزارته استجوابات للإخوان وتحريك منظم لميليشيات التيار الديني علي أثر قضيتي 'أزمة الروايات الثلاثة' و'أزمة وليمة لأعشاب البحر' حينما ضحي الوزير بقيمة حرية الإبداع لتمر رياح مظاهرات طلبة جامعة الأزهر علي خير، الأزمة انتهت بالتضحية بالإبداع وحريته في مقابل بقاء السيد الوزير وجاء تبريره أن إصدارات وزارة الثقافة تصل إلي كل بيت مصري ومن ثم يجب أن تراعي أخلاق المواطن المصري وقيمه، فما بالنا بتصريحات الوزير ألا تصل هي الأخري إلي منازل المصريين..؟الوزير في نهاية الأمر من حقه أن يعبر عن رأيه كيفما يشاء وفي أي قضية إيمانا منه بحرية التفكير، ولن نزيد علي ماقاله فهو مكرر كما قلنا لكننا مضطرون للدفاع عنه، فليس من حق أي جهة وخاصة المتربصين بالثقافة وليس الوزير المتربصون بأي وجهة نظر ضد تصوراتهم عن العالم، لذا ليس بعيدا أن يتلقف أعضاء الجماعة المحظورة تصريح الوزير للقيام بهجمة تعبوية يورطون خلالها رجال الأزهر في مواجهة مؤسسية / مؤسسية، فهل يتحرك الأزهر مع خطاب الجماعة المحظورة التحريضي؟؟ نرجوها ألا تنجر المؤسسة التي نحترمها جميعا لذلك، يصح لنا أن نسأل الوزير في 'رأيه الشخصي' لماذا لم تتبن مؤسسات الثقافة الرسمية مواجهة هذا المد الذي طال الوزير، وهل يعرف الوزير أزواج السيدات المحجبات أنفسهم من عمال المطابع في الهيئة العامة للكتاب والمجلس الأعلي للثقافة الذين يتدخلون بالحذف في أعمال المبدعين المصريين العرب وفقا لرؤاهم الدينية والأخلاقية؟؟ وهل الحرية حلال للوزير حرام علي المثقفين؟؟ وهل تمر الأزمة بانتصار الوزير وذلك مانتمناه فنعم الانتصار للثقافة ومثقفيها أم أن معارك الوزير شخصية ومؤقتة.. الإجابة لدي الوزير فقط!!

العدد الحالي الأعداد السابقة










الأربعاء، نوفمبر ١٥، ٢٠٠٦

بيت حانون لن تكون آخر الحكاية

"مراجيح" صرخة الألم الفلسطيني التي لن تراها في نشرة الأخبار

الذي نعرفه عن فلسطين خارج المشاهد اليومية لأعمال الإغتيال الدموية ومظاهرات الشجب والتضامن قليل، فالإعلام تحت حمي الصراع الدائر هناك بين قهر إحتلال يدخل النصف قرن بكامل عنفوانه وشعب صامد لايستطيع أن يتجاوز ما درج هو نفسه علي خلق أسطورته ، أسطورة الدماء النازفة والتي تحولت من فرط تكرار مشاهدها إلي وجبة يومية نلوكها فيما نحن نمضغ طعام العشاء وأيدينا تعبث بالريموت كنرول ، نعرف فقط العدد النهائي لقتلي يوم آخر من الصراع لمجرد أن نطمئن علي أن عددهم ليس في إزدياد ، فلسطين التي تم إختصارها فجأة في تلك المعادلة المبسطة تحتوي ما هو أكثر من ذلك ، أكثر من إحتمالات حكومة الوحدة الوطنية وتشكيلها المفترض ، تحتوي علي ماهو أكثر من ذلك التلخيص المدهش والمازوخي والذي يعودنا علي إيلام النفس بجريمة الصمت ، تحتوي قبل ذلك كله علي بشر يبكون بعد أن يخلدوا إلي حصاد يومهم الدامي ، يبكون حسرة الوطن السليب والمأزق النفسي لشعب بات رهنا لقضية تحرره الأخيرة والنهائية ، فلسطين آخر دولة في العالم لا زالت تخضع للإحتلال وفيما يبلي مفهوم التحرر الوطني الذي إستهلكت موضته منذ عقود ، لازالت هناك بقعة علي الأرض تحلم بعلم ونشيد ومدرسة ، والفن وحده هو الجدير بإكتشاف ما هو أبعد من تلك الصور المعلبة .
قسوة الخطوط المتقاطعة
ففلسطين التي يقدمها المخرج المصري الأسباني باسل رمسيس في فيلمه الوثائقي " مراجيح " تبدو حقيقية وواقعية وعنيفة بحجم الصدق الذي إحتوته تلك الحكايات لنساء فلسطينيات يعانين قمع الإحتلال بنفس الدرجة التي يعانين بها من قمع الأعراف الإجتماعية والتقاليد ، مستويان من القمع يتداخلان ويتشابكان في حكايات بلغت حد العشرين حكاية ، جالت الكاميرا داخل الأراضي الفلسطينية بين خطي الهدنة لعام 1949 ، فلسطين من صحراء النقب جنوبا حتي الجليل الأعلي شمالا ومن الضفة الغربية غربا حتي قطاع غزة شرقا ، داخل أراضي عام 1948 في قراها المهجرة والمحاصرة بالمستوطنات كما في مدنها الكبري ، وما وحد بين كل هذه الجغرافيا الممتدة وجع واحد وبكاء تتخلله شعارات الصمود ، نساء يحكين حكاياتهن تحت أنظار أدوات قمعهن ، لافرق هنا بين جدار عازل شق منزل الست منيرة فأصبحت تسكن الشارع وبين زوج إنتصار الرابض أمام الكاميرا حيث تحكي زوجته كيف يضربها أخاه ، وبين الحكايات تتأرجح بنت جميلة يراوح الفيلم بين مشاهدها وهي تلعب بعيدا وحرة فيما ينتظرها المستقبل بنفس المصير .
باسل رمسيس مخرج مصري هجر دراسة السينما في معهد السينما في القاهرة منذ ثمان سنوات ، وإستكمل بأسبانيا دراسته وبدأ في إنتاج أفلامه الإجتماعية السياسية بمجهود مستقل وبمشاركة مجموعة عمل أسسوا شركة بسيطة يمثل فيلم " مراجيح " خامس إنتاج لها ، وقد عرض إسبوع السينما الأسبانية في مصر منذ عامين فيلمه الأول " الجانب الآخر للإقتراب من لابابيس" والذي يرصد حكايات المهاجرين غير الشرعيين في أقدم أحياء العاصمة مدريد وأكثرها تعددا ثقافيا ، وعرض فيلمه الأخير بنقابة الصحفيين الأسبوع الماضي كما يعرض يوم 21 نوفمبر بالمركز الثقافي الإسباني.
صوت الأنين الخافت
الفيلم البالغ زمنه نحو 98 دقيقة يجمع بورتريها واسعا لنضال المرأة الفلسطينية في كامل تناغمه ، من أم الأربع شهداء وجدة الشهيد التي تحكي مأساة إغتيال أبنائها بقذيفة مدفع إسرائيلي إلي الأسيرة الأستشهادية التي تمضي خمس وثلاثون عاما في السجون الإسرائيلية ، من أم حسن التي أجهضت علي أحد الحواجزالإسرائيلية فيما زوجها يقطع علي الطريق الحبل السري لشهيدته الجنينة ، إلي المرأة الفلسطينية التي تبحث عن لم شملها بزوجها السجين السابق عند مفترق الطرق والوثائق ، من السجينة السابقة والمناضلة السياسية الحالية إلي الفتاة التي منعت من إكمال دراستها العليا بعد سياسيات الإغلاق الإسرائيلية للأراضي الفلسطينية ، نساء يحكين ربما لأول مرة عن الضرب المنظم من قبل الأزواج وإخوانهم ، نساء يتحدثن عن سلطة عائلة الزوج القبلية التي بيدها حياة الزوجة وحياة أبنائها ، عن الزوجة التي وقفت إلي جوار زوجها ليتزوج من أخريات ويسكنهن نفس المنزل ( لأن عاداته لاتقبل وجود سيرلانكية لخدمته كما صرح الزوج أمام زوجته الجديدة) ، للفتيات ذوات البشرة السوداء والعانسات رغم تعليمهن العالي لمجرد أن بشرتهن سوداء في عنصرية جديدة ووافدة داخل المجتمع الفلسطيني نفسه ، حكايات القتل بإسم شرف العائلة المسكوت عنها والتي تغض الشرطة الإسرائيلية الطرف عنها بمنطق إحترام العادات الثقافية الفلسطينية !! وكأنها تحترم فعلا الفلسطينيين ، والحقيقة أنها تمارس ترحيبا بأي إضطهاد يقع بين من تضطهدهم حتي ولو كانت الفتاة المتهمة هي ضحية إشاعة مغرضة ، الحكايات هنا مؤلمة بحجم القمع المزدوج والذي تدفع المرأة الفلسطينية فواتيره مضاعفة ، قمع إحتلال لايجد غضاضة عن إغتصاب المعتقلات و قمع بنية مجتمعية محاصرة بمفاهيم بدوية ذكورية لا تؤمن بحقوق المرأة ، هي البنية نفسها التي تجعل من المرأة الفلسطينية شهيدة عند نقاط التفتيش وزوجة لشهيد وأم لأسير ومعيلة لأسرة مناضل في السجن ، تتحمل المرأة كل تلك الأعباء لكنها لاتستطيع أن تشتكي ضرب زوجها أو حماها أو أخ الزوج ، هي الحلقة الأضعف بكل إمتياز وعليها أن تتحمل طالما لاصوت يعلو فوق صوت المعركة ، فليس هناك مبرر أيا كان لتبرير ذلك العنف بإسم أن الرجال يدفعون ضريبة الدم ، الأخ المقاوم والمناضل لاكرامة لنضاله إذا عاد فضرب زوجته أمام أبناءه مع إحترام الجميع لدوره ، السلطة والقمع ممارسة ربما أحيانا ما تساوي بين الضحية وجلادها ، لكنها لاتعطي مبررا لأن تتفشي روح القمع بين المقموعين أنفسهم ، فنضال الشعب الفلسطيني ضد آلة دولة همجية ووحشية وعنصرية هي في جانب منها مواجهة حضارية ، صدام بين قيم تنفي بإسم النقاء العنصري وجود شعب يعيش علي أرضه ، قيمة العنصرية كما تمثلها دولة إسرائيل ، وبين أصحاب الحق المدافعين عن قيمة الإنتماءو حضارة التسامح مع الآخرممثلا في الشعب الفلسطيني الصامد، ولامبرر في أي لحظة لكي نتحول إلي ضد ما نؤمن به تحت شعارات القيم البالية ، وهذا المزج تحديدا بين الإطار العام للقمع ممثلا في إسرائيل والإطار الخاص ممثلا في القيم الإجتماعية هو ما يكسب فيلم " مراجيح " قيمته الخاصة ، قيمة لاتستطيع الأفكار المعلبة في الريبورتاج التلفزيوني كما تقدمه قناة الجزيرة وغيرها أن تعبر عنها ، فالريبورتاج التلفزيوني يضع نصب عينه خبرية الحدث لا زاوية تحليله الأعمق ، فربما يذهب المحقق التلفزيوني ليغطي مشهد الإجهاض علي الحاجز الإسرائيلي مركزا علي إيجاز المشهد في صيغته الخبرية ، لكن لن يستطيع الخوض في ألم تلك التجربة بعد مرور زمن كاف حين تحكي نفس المرأة عما تبقي لها من آلام وذكري عنيفة أثرت علي حياتها ، وهذا تحديدا هو الفارق بين ريبورتاجية أكثر الأفلام التلفزيونية وثائقية ، وبين الفيلم التسجيلي السينمائي .
المواجهة .. الذات ..الآخر
في فيلم " مراجيح " نتأرجح فعليا بين تواصل تلك الحكايات وتستسلم الشخصيات بشكل حقيقي لتحكي الحكاية بعنف وطأتها خارج إستسهال الصيغة الخبرية ، الكاميرا مثلا في مقابلة طويلة مع إحدي الشخصيات ( إنتصار ) إستطاعت أن تجرء الشخصية للحديث عن ذكريات الطفولة العنيفة مع الأب القاسي ، الزوج يجلس دائما في يسار الكادر صامتا وتتواصل الحكاية لتخبر الزوجة زوجها بما لم تستطع يوما أن تحدثه به ، تحكي فيما هي تبكي لأول مرة لماذا إختارته زوجا ، تحكي له لأول مرة عن ألمها من عقاب أخيه لها حين حطم ضلعيها لمجرد أنها منعت أغنامه من دخول حوش بيتها ، المقايلة تتحول إلي مواجه مع الذات ، فتحكي إنتصار وكأنها لاتري أحد وكأنها وحيدة تقدم كشف حساب لحياة طويلة عنوانها المعاناة لاأكثر .
الفيلم عنيف في قدرته علي جعل السيدات هم الصوت الوحيد لألآلمهم الشخصية ، عنيف في جرأة إنحيازه لضعف تلك الحلقة الهشة والباسلة في نفس الوقت ، الزوجة التي تحكي عن زياراتها النادرة لزوجها في المعتقل تعلم إبنتها التي لم تري أباها يوما أغاني النضال، وتسأل إبنها إن كان قد أرسل معه قبلة لها ، عندما تحكي الطفلة ذات الخمس سنوات عن رحلتها الطويلة ( ثمان ساعات من بيتها في بير السبع حتي مكان السجن ) لتري أبيها من خلف سلك شائك لدقائق تجعلنا ندمع لتك الطفولة النقية التي دخلت إلي مصطلحات حياتها طائرة الإف 16 وحواجز التفتيش المهينة ، القسوة في أن تضع أما حجرا علي موقع إستشهاد أبنها في حديقة المنزل لتقول للكاميرا هنا وجدناه دماء في ملابس فأقمنا له شاهدا .
المؤكد أنه بعد مشاهة متأنية لهذا الفيلم سنضع يدنا بشكل حقيقي علي حجم وعمق الألم الفلسطيني ممثلا في نسائه ، ألم لن تكون آخر مشاهده ما حدث في بيت حانون ، فخلف كل بيت مقصوف وزوج معتقل وشهيد في طريقه إلي المشرحة ألف حكاية لم تحكي بعد ، وهن النساء حملة أختام الحكاية الحقيقية التي ستتوارثها أجيال قادمة ، فالنساء لايملكن غير الحكاية ، وأكرم بها من مروية.

الجمعة، نوفمبر ١٠، ٢٠٠٦

ومن اليسار ما قتل ( الحلقة الثانية)

ومن اليسار ما قتل..سيرة بلا مسيرة (الحلقة الثانية)


كان من الطبيعي أن أحتاط لتك المقابلة ، فعادل الذي إختتم مشاهده التاريخية معي بحب أفلاطوني النزعة لأكثر صديقاتي قربا من قلبي ، كان يمثل لي بتعليمه المتوسط وإنتماءه لمنطقة شعبية فقيرة تسمي عزبة أولاد علام بالدقي وميله الرومانتيكي الذي تكرسه نحافة إستثنائية ، كان بكل تلك المواصفات نموذجا للتوحد، يصلح كنموزج شيق للمناضل الكلاسيكي ذو النزعة الثورية الطهرانية إلي أن يكون مثلا يحتذي به، لكني أدركت من إنبهار عينيه عند المقابلة الأولي حس صياد سقط في فخ محبة فريسته، تسلحت للمقابلة بقراءة إضافية لمنوعات من كتب لينين النظرية التي إحتفظ بها أبي لسنين دون أن تلمسها يده، وخاصة كتاب الدولة والثورة في طبعة دار التقدم بغلافه الزيتوني، وعندما أزف الموعد كنت قد دونت بعض الملاحظات النقدية للمؤلف التي رأينها لاتناسب المرحلة وتحتاج إلي مراجعة نظرية ، وفي تمام السابعة مساءا قابلته علي إحدي البسطات الحجرية علي كورنيش النيل أمام الهيلتون ، أخرج من أسفل معطفه الشتوي الطويل مظروفا وهو يتأكد من خلو المشهد من متابعين فضوليين، وفيما هو يشعل سيجارة سوبر تحدث بهدؤ عن ما يحتويه الكتاب من كلام جديد يحتاج إلي نقاش في جلسة تالية ، إستلمت المظروف من يده وبحركة إعتيادية حاولت فتحه، لكن إشارة حازمة من يده قطعت الفعل الللاإرادي ، وكانت تلك أول دروس التأمين الحزبي التي يجب تعلمها، تحركنا وهو يتابع الحديث عن نظرية التأمين بينما عينه تحاول البحث عن عيون الأمن المفترضة وتمشينا حتي موقف الباص أمام الفندق من الناحية الأخري بعد أن أوصاني بعدم إستخدام مترو الأنفاق الذي كثيرا ما يتم التفتيش فيه لمجرد الإشتباه ، تحول الكتاب إلي قنبلة موقوتة علي وشك الإنفجار طوال رحلة الأوتوبيس إلي عزبة النخل، ثقة مشوبة بالحذر تركتها داخلي تلك المقابلة، فعادل بإستطالة ٌقدميه ونحافتهما وإصراره علي وضع ساق علي الأخري بينما تنعقد أطرافه الأخري فتتشابك يديه بأقصي أطراف ظهره ، كذا بإمالة سيجارته علي طرف فمه النحيل المنحرف قليلا بفعل إمتصاص خديه إلي الداخل، تركت لي هذه التركيبة الفريدة لغزا عصيا علي الفهم ،
” الشوكة والسكينة " هكذا كانت تسمية التنظيم الساخرة بين إخوته من التنظيمات السرية ، كانت التسمية تحمل سجعا مع فخامة التسمية الرسمية " الإشتراكية الثورية " وربما فسرت التسمية الثانية الشائعة عنه جزءا من التورية المقصودة في التسمية الأولي ، كانوا يسمونه تنظيم الجامعة الأمريكية ، ربما لأن كثير من أعضاء لجنته القيادية كانوا طلابا أو متخرجين من الجامعة ذات السمعة البرجوازية الطافحة ، وهو ما لم يحاول عضو اللجنة القيادية الذي قابلني أن ينفيه ، إختار مقهي لم أكن أعرفه - وأنا الخبير بالزوايا المختبئة بوسط البلد – ملاصق لأحد أبواب الجامعة الأمريكية ، مقهي لايرتاده إلا عمال الجراشات التي تحيط بالجامعة ، كذلك ربما يرتاده بعض الطلبة الذين وجدوا في إحتساء القهوة علي مقهي شعبي حاجة أوريجنال كما ينطقا السائحون ، العضو القيادي الذي قابلني سأعرف بعد فترة أنه العقل المفكر الرئيسي للتنظيم وسأعرف بالخبرة التالية في أروقة التنظيم المنحبسة أنه الآمر الناهي الأول، لم تبد علي معالمه في جلستنا الأولي أي من تلك الملامح ، كان سامح بميله إلي الغموض الذي يكرسه بطريقة مصافحته الحاسمة ، وإمعانه في إعطاء إنطباع رسمي عن المقابلة والمقابلات التي ستليها ، كذلك بإنبهارية عيونه و إنصاته التام لي أثناء الحوار يشعرني دائما بخطورته ، بقدرته الفائقة علي مفاجئتك بأسئلة في منتصف حديثك تشتت ترابطك الزهني ثم إبتسامته القناعية التي يقترب بها من وجهك وكأنه يطل بإقترابه الفسيولوجي الموتر علي باطن عقلك ، كان أحيانا ما يراوغك أثناء الجلسة فتخال إغراقه في تأمل وجهك وإدامته النظر بشكل مباشر إلي عينيك وكأنه يشوش علي إنشغال عقلي آخر يشغله أثناء حديثك ، لكنه فجأة كانت تتألق عيناه عند بعض الإنحناءات الحوارية وهو يهز رأسه فيما تتسع إبتسامته ويطلق أخيرا سهمه النافذ إلي هدم وجهة نظرك بالكامل ، يخرج ساعتها دخان الأرجيلة من فمه وهو ينظر إليه متصاعدا ، ثم يبدأ في إقتناص الخلل الجوهري في وجهة نظرك ، إستمع بتلك الطريقة إلي ملاحظاتي التي جلبت لي شياءا من الفخر خلال مقابتي الأولي بعادل ، ثم أعاد توضيح بعض النقاط الأساسية التي إختلفت عليها وأشاد بطريقة لافتة إلي عمق قراءتي لكتاب توني كليف

من سيدني إلي شارع طلعت حرب

من سيدني إلي شارع طلعت حرب .... مسافة في خيال الأزمة
المفتي يغمز بعينه .. فتأكل القطط اللحم المكشوف


تقمص الشيخ تاج الدين الهلالي المصري مشهد الخطيب في أحد مساجد ضواحي القاهرة العشوائية وهو يقف أعلي منبر مسجد في سيدني ، أراه وهو يغمز بعينيه لجمهوره من الجالية الإسلامية في أستراليا ، لن يتحدث هنا كما يتحدث إن صعد منبر زاوية ضيقة بحي شبرا الخيمة القاهري صاخبا ومجلجلا الأرض من تحت أقدام المصلين بالشيطان الأقرع الذي يبلغ طول ذنبه مئات السنوات الضوئية ليضرب رأس الديوس الذي سمح لزوجته أن تخرج حاسرة الرأس ، لن يتحدث عن المسيحيات الكافرات الللاتي يغازلن فتوة الشباب المسلم بصدورهن العاريات ، سيغمز فقط بعينه التي سيأكلهما الدود فيما يبتسم إبتسامة تشف بالتواطؤ كما في هزليات الأفلام الدينية عندما نستحضرة صورة المشركين بحواجبهم الكثيفة وهم يتأمرون علي المسلمين صائحين كما قلدهم اللمبي في فيلمه " فالنأخذ من كل رجل قبيلة " ، تحدث الشيخ المفتي والهارب من مصر بفضيحة قضائية مالية عن كيف أن الشباب المسلم يقع مغلوبا علي غرائزه في حبائل " اللحم المكشوف " لأستراليات خرجن بلحمهن المحمر بحثا عن مسلم تقي لإغوائه بإغتصابهن ، الرجل لايكذب أليست كل نساء العالم يسقطن في حبائل غواية المسلم ؟ أليس هؤلاء الجالسين أمامه هاربين من دولهم تحت حمي العفة الجنسية ؟ ألا يتناصوا جميعا مع معني رسالة أحد أصدقائي المهاجرين حديثا إلي أستراليا والذي أقسم لي مبهورا في أول رسالة أنه يعيش في مدينة تبلغ فيها نسبة الرجال نصف نسبة النساء فأسال لعاب نصف أصدقاء المقهي؟ الشيخ تاج الدين فيما أعتقد يعلم جيدا فيما هو يعطي رخصة الأغتصاب الدينية النفسية مأزق رجاله من المتدينين الجدد ، من الشباب العربي الذي هاجر إلي أوروبا وأستراليا وأمريكا واعدا نفسه بفتوحات إيروتيكية تتسق مع حجم إحتقاره للغرب والمرأة معا ، الغرب ونساؤه هكذا يسري في الخيال الشعبي ذلك الربط المتهافت بين المرأة الغربية والغواية ، الغواية ليست هنا بمعناها الإيروتيكي الفني بل بمشهدية الإغتصاب الدامي ، مشهدية الشرق المتباهي بقواه الجنسية الوهمية في مواجهة شبق النسوة الغربيات اللآنهائي ، علاقة من إنعدام الثقة في النفس تتباهي بمازوخية قتل الآخر جنسيا ، يعرف الشيخ الذي تشبه صوره صورة الشيخ كشك السبعيني المتطرف الشهير أن من بين جمهوره بعضا من جمهور عصابة بلال سكاف في سيدني والذين أتهموا بتدبير حملات إغتصاب جماعية منذ عام 2000 و المحكوم عليه بعد الرأفة الأسترالية – والتي لايستحقها – ب18 عاما يقضيها في أحد السجون العمومية ، يعرف الغامز بعينه من أعلي المنبر كيف يصيب مهمشي سيدني المسلمين والباحثين عن هوس الأنتقام الشرقي في مقتل ، أنه الغرب يا أبنائي الذي إخترتموه فإذا كانت تلك هي الضريبة لتندمجوا لاتخرجوا من المساجد إذن ، لاتتفاعلوا ولتلزموا البيوت فعلي النواصي نساء بعيون حمر شبقية سيخطفن إيمانكم ، فإذا ما حدث فأنتم الضحايا لا هم – ربما يبكي هنا الشيخ تأثرا علي ضحاياه – هكذا تحدث الشيخ فيما بين سطور كلماته التي لن يقرأها غير جمهوره .
ذهنية الشيخ المتباهي بإغتصابات عشيرته لايمكن أن تضاهي ذلك الخيال الخصب الذي إنبعث وهجا بعد ساعات من خطبة سيدني في أحد شوارع القاهرة ، فالمسافة بين سيدني والقاهرة ليست كبيرة كما تقطعها الطائرات ، المسافة الذهنية أضيق مما نعتقد مضافا إليها فقط إكسسوار القهر والفقر والجهل الذي لم يسمح لجماهير الأغتصاب العلني في شوارع القاهرة بترير جاهز يقدمه لهم مفتي ديار دولة من العالم الثالث ، ففي أول أيام العيد – وربما بمراعاة فروق التوقيت تتوازي اللحظة – خرج المئات للإحتفال بالعيد في حفلة إغتصاب جماعي مفتوحة عند تقاطعات شوارع عبد الخالق ثروت وعدلي و26 يوليو بشارع طلعت حرب ، المارون قبل حفلة التاسعة مساءا بدور عرض راديو وميامي لاحظوا ذلك التجمهر الكبير لمراهقين أمام السينمات بعد أن سري كما النار في الهشيم عبور أبطال فيلم " علي الطرب بالتلاتة" فوق عربة للترويج للفيلم ، إنتظر الجميع ظهور الراقصة دينا الشهير بما خف إرتدائه وعظمت فوائده الجنسية مساءا ، إنتظروها لتمر وهي ترقص في كرنفال إنضم إليها فيه المطرب الشعبي المتهتك سعد الصغير و زميله ريكو ، شاحذين خيالهم البصري لخروج قنبلة الأغراء من علي الأفيش حية ترزق وتتلوي ، فأطلت دينا وحمتها قبضات البودي جاردات من تدفع المراهقين المهتاجين ، دخلت دينا السينما فتفرغ الشباب الذين لم يستطيعوا الحصول علي تذكرة لدينا –عفوا للسينما – تفرغوا لتحطيم واجهات دور العرض ربما تفريغا للطاقة التي لم تجد منفذا لها ، بدأت الحفلة في الداخل وأبي المتلطعين بالمئات علي النواصي ألا يكون لهم حفلهم الخاص ، تربصوا بالعشرات فوق الأرصفة وبين السيارات المحشورة في زحام وسط البلد لأي فستان قد يعبر علي شماعة – هكذا يصف المصريون من يهتاج علي أي إمراة دون مراعاة لجمالياتها- ، تربصوا تحت حمي سعار جماعي لمجموعة ذكورية خام ، فلا وجود في إزدحام سينمات العيد في وسط البلد منذ أعوام لأي بنت ، مجموعات من أبناء الضواحي البعيدة العشوائية تنسموا في وسط البلد البعيد نسبيا إحتفالا بخروجة العيد وصرف العيدية الصغيرة علي السينمات الباقية بتسعيرة العشر جنيهات ، التسكع أمام الفتارين والمقارنة بين أسعار ملابسهم المبهرجة وأسعار محلات وسط البلد ، بعضا من الآيس كريم الرخيص وتمشية حتي الكورنيش هي غاية تلك الجماهير في عيد الفطر ، لكنها الغاية التي أكسبتها تهويمات التنويه عن الأفلام الراقصة وأسلوب الدعاية السيركي المبتكر لآل العدل – منتجوا الفيلم – بعدا إهتياجيا خاص ، حيث هناك إمكانية وسط هذا التدافع لنيل شرف ملامسة دينا الخيالية ، دينا الخيالية حماها حرسها الشخصيون لكن الفتيات العابرات صدفة في تلك الليلة لم يحمهن أحد ، يتحدث شهود العيان عن عشر حالات علي الأقل كلهن فتيات محجبات – إثنان خليجيات علي الأقل بملابسهن السوداء – ربما فيما يخص المصريات كن من العاملات بمحلات الملابس في وسط البلد ، أو بعض الخارجات للفسحة ، تجري العشرات فيما يشبه السباق بعد أن يصرخ شخص من بعيد " لحمة " ليحطن بالفتاة ويبدأ الجميع وفي نفس التوقيت بالعبث في جسدها ومحاولة تمزيق ملابسها ، دوائر متتالية من الضيق إلي الأوسع فيما الفتاة إما في منتصفها أو مجبرة علي الركون علي حائط ، بعضهن كن يسقطن أو يجرين فيسقطن حتي دخول أي محل مفتوح أومدخل عمارة ، الفضاء في الشارع تحول إلي حفل إصطياد تتباري فيه قطعان مسعورة علي تعزيب ضحاياه وبحمي التواطؤ المشترك كان الجميع إما متفرجون من بعيد أو مارة مبسملين محوقلين ، فهذا الهياج لمئات ربما يتحول إلي مذبحة لأي من مدعي الشهامة ، أين الشرطة ؟ تقف علي النواصي القريبة في حراسة البنوك والفنادق ، لاتتدخل ضد الجماهير إلا في التظاهر السياسي ، وربما شاهدت المشهد بالكامل كعرض مسرحي لحيوانات أدني من يتدخل أحد لوقف مهازلهم ، إستمر هذا السعار ما يزيد عن الساعتين دون أي تشويش عليه أو معارضة من أحد ، ثم إنتصف الليل وإنسحب القطيع إلي زرائبه البعيدة وهويحمل حكاية للتفاخر بين أقرانه ، القطيع كان يضم من الأطفال ذوي العشر سنوات حتي المتبطلين والصنايعية في الثلاثينيات ، شريحة عمرية ممتدة متمازجة إجتماعيا وإقتصاديا وسياسيا ، إنهم القادمون من خلف الأسوار البعيدة عند مشارف قاهرة جديدة تتمدد في برك المجاري والمياه الملوثة والتطرف الديني وأخيرا الكبت الجنسي الباحث عن ضحية ، والضحايا لسن لحما مكشوفا يغري بالإغتصاب ، والمغتصب بنسبة 90% يستمع إلي خطبة الجمعة ويصلي فروضه الخمس ويضيق علي إخوته البنات في ضرورة إرتداء الحجاب ، المغتصب بنسبة 100% خارج لتوه من الشهر الكريم الذي لابد وأنه إحتفي به بإطالة ذقنه وإقامة الليل كما تؤكد النسب علي زيادة المد الديني الشكلاني في تلك البيئات ، المغتصب ربما يجلس أمام شاشات الفضائيات بالساعات لسماع الفتاوي الطائرة ، المغتصب يملي عينه ليل نهار في كل الشوارع في شعر مكشوف أو بدي إستوميك علي حجاب وبنطال ، أو في حجاب يشف بخيال ما تحته من كنوز مخفية بإحكام لتزيد سعاره في التخييل إلي ما لا نهاية ، المغتصب يتجول ليل نهار فيما هو يستغفر الله ، المغتصب قابع في الزوايا لاينتظر لحظة الضعف أو الغواية ليشرع عدوانيته ، نحن هنا في حل من ذكر إحصاءات العنوسة وتأخر الزواج في مصر ، أو الحديث عن البطالة و إنخفاض الدخل ، نحن هنا لانتحدث عن أحزمة سكان مصر الأصليين القابعين بين الشقوق وعزب الصفيح والمقيمين في المقابر ، نحن هنا مضطرون لوصل ماهو ببعد سيدني حيث يقف إمام مهووس بالتطهر العرقي والتبرير الديني وبين جماهير قريبة في شارع طلعت حرب خرجت لإصطياد طرائدها في طقس باخوسي ، مفتي أستراليا ورجاله ، عودوا من حيث أتيتم فقطط الوطن في أشد الإحتياج إليكم هنا ، فنحن لن نفتح العالم بفتح أزرار بنطالنا .