سيبونى اتوه

كائنا ما كان ألا أوجد كان هو الأفضل

الثلاثاء، أبريل ٢٠، ٢٠١٠

صور الانقلاب على الهوية الستينية في الميديا صراع منتجي الصورة الجديدة مع ذاكرة هزمتها العولمة

القاهرة ـ هاني درويش

ينشغل كثيرون بالسؤال عن النسخة الجديدة للهوية المصرية، ويصلون غالبا إلى إجابات يؤتى بها من أرفف المستحضرات الجاهزة. أقصد هنا مجمل النظريات التي ترسم تحولات تلك الهوية وفقا لما أعتري حياة هذا المجتمع من تراكم للهزائم والخيبات في القرن الأخير، ومن أسهل تلك المستحضرات إتهام علماء إجتماع للإنقلاب الساداتي (هكذا يسمونه) وما ترتب عليه من تحلل لمصر في هويتها الستينية الشهيرة والساكنة، وما ترتب عليه من تخليها المزري عن عمد إلتزامتها كجسد واحد متعال تجاه نفسها ومحيطها، وبمبضع جراح مبتدئ يجري الفصل عن عمد لحقبة يعتبرونها ضخمة وذات دلالة مركزية في فهم تلك التحولات وهي الحقبة الناصرية. يفصلونها بمنتهي البرودة الجديرة بإحتراف الأطباء عما كان قبلها وعما أتى بعدها. وكأن عشرين عاما فصللت بين ثورة وإرتدادها عن مبادئها قادرة على التعمية عن سياق ما قبلها وما بعدها، والحقيقة أن ما قبلها وما بعدها هو الأكثر امتدادا وإيغالا في الشخصية المصرية. والأمر يتجاوز بالطبع حساب السنين بمعناها الخطي وكثافتها النوعية. فجزء هام من مكونات ما يمكن إصطلاحه بالشخصية المصرية في تجريدها الخام (إن وافق البعض على مايعنيه التجريد من نقاوة زائدة) يعود بلا شك إلى ميكانيزم الهدم والبناء المستمرين والبطيئين، ميكانيزم يكاد يحوي القرنين الأخيرين في حرث دائم لتربة عميقة أبعد من السطح الخشن للسياسي بمعناه الفوقي. وما يقينية المصريين وعزلتهم عن هذا المستوى الأخير (كما تعبر عنه الحكمة الشعبية «أربط الحمار مطرح مايعوز صاحبه») إلا إنعكاساً لثقتهم الكاملة بالزوال السريع لتأثيرات السياسة تحت يافطة الصبر الأزلي على المضار، بضمير قدري مصدره حكمة أن الحياة لابد لها أن تمرّ.
في السنين العشر الأخيرة تنهش في تلك الطبقة السطحية الكلاشيهية معاول الهدم، والسخرية بطبعها هي الأداة الغليظة لتلك المهمة. التلفزيون والإعلانات والكتابات الساخرة وفنون الغرافيك الحديثة هي ملاعبها الأثيرة.
السينما والتلفزيون في النصف قرن الأخير كانا مسرحا مشرعا لإعادة تمثيل هوية المجتمع على مايبتغيه النظام الحاكم ونخبه. بل إنهما، بالإضافة للإذاعة، رسما صورة ذهنية عن مصر في محيطها الإقليمي، أقصد هنا سينما الأبيض والأسود تحديدا التي شهدت قبل ثورة يوليو مجدها الأهم. وغالبا ما لايعترف كثيرون بقيمة تلك التمثيلات الخيالية في بلورة وعي الذات الجمعي بنفسه وبالآخرين. وينسب كثيرون صورة مصر السينمائية التي يحملها الأرشيف الضخم إلى ثورة يوليو مع تزامن عهدها بريادة تلك الصناعة وشهرتها ونفوذها الإقليمي، بينما الحقيقة أن تلك الصناعةهي أرفع شأناً من الثورة نفسها. بل إنها في إنكفائها للتكيف مع روح الجنرالات الجدد خسرت الكثير، بمعنى ان صناعة السينما التي ورثتها الثورة كرافد فني إجتماعي سياسي لتعبير الناس عن حياتهم وأفكارهم وأخلاقهم جرى إحتسابه كرصيد منبتّ الصلة عما سبقها. كذلك هو حال مجمل منجز الأدب المصري والفن الذي كانت الفترة الليبرالية حاضنتهما الأصيلة. وما أسماء كطه حسين وعباس محمود العقاد ونجيب محفوظ ويحيى حقي وشوقي وبيرم التونسي ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم إلا ابناء فترة الوعي الوطني الأوليّ الذي نبتت مع بداية القرن. فليبرالية وحداثة مصر العشرينات والثلاثينات حمت ووفرت لهذه الأسماء المشكلة للمزاج العام المناخ التعليمي والإجتماعي والثقافي بمعناه الصناعي والإنتاجي، بينما شكل الإنكفاء الثوري وتكيف تلك الأسماء مع الواقع الجديد الذي فرضته الثورة مايبدو أقرب لمبدأ التقية الثقافي. أللهم من طور من هذه الأسماء مشروعه ليتكامل مع مشروع أهل الثكنات. ويكاد المراقب الحالي لمنتج إعادة تعريف الهوية الجديد أن يشير للحمة ذلك التعريف بما سبق يوليو، خاصة وأن منجز هوية الثورة تحديدا هو الخاضع الآن أكثر من غيره لإعادة الهدم.
الضربة الأولى لمعاول مايمكن تسميته بإعادة تفتيت وتركيب الهوية، ظهرت في عمل فيديو مستقل، فيلم صور بكاميرا فيديو أسمه» رجال لا تعرف المستحيل» قبل عشر سنوات. الفيلم صوره شباب من خارج الوسط الفني -بكاميرا فيديو بسيطة- للسخرية من تمثلات السينما والتلفزيون لإنجاز المخابرات المصرية في عملياتها ضد إسرائيل، فتحولت مسلسلات تلفزيونية راسخة في الثقافة المعممة للهوية المنسوجة على معارك الإنتصار على الآخر إلى مهزلة كاملة. مسلسلات مثل «جمعة الشوان» و«رأفت الهجان» وأفلام كـ«إعدام ميت» و«الصعود إلى الهاوية» جرى إعادة تمثيل المشاهد الراسخة منها في الذهنية الشعبية بشكل هزلي، خاصة وأن تلك الأعمال إعتمدت على خرافة الشكل الإنتصاري عبر سيناريوهات ركيكة الدرامية أو كلاسكية في أحسن صورها، في رجال لاتعرف المستحيل إلى ثمة سخرية من رؤيتنا الساذجة لليهود وإسرائيل. خاصة وأن الأعمال الأصلية سجنت الإسرائيلين في كلاشيهات مثل طريقة الحديث من الأنف والنظرات اللئيمة من أعلى نظارات مدلاة على نفس الأنوف. كما تهكم الفيلم البدائي الإسكيتشي على سلسلة كتب للمراهقين أسمها «رجل المستحيل»، سلسلة هي الأكثر تأثيرا في مخيلة جيل الثمانينات عن العداء لإسرائيل، إسرائيل المغوية الأنثوية الممثلة في شخصية عميلة الموساد سونيا جراهام التي تغوي وتقاتل كلبوة شريرة شخصية أدهم صبري ضابط المخابرات المصرية أو «رجل المستحيل».
إسرائيل الأنثى المغوية ومصر الذكورة والشهامة كانت محلاً للتهكم أيضا في صراع الشخصية الشعبوية»جمعة الشوان» وحبييبته اليهودية»جوجو». وقدم «رجال لا تعرف المستحيل» ضربة مؤثرة لمبررات الوطنية في شخصية عميل المخابرات المصري التي ربطها مسلسل «دموع في عيون وقحة» بصفات كاريكاتيرية مثل الذكاء الشعبوي، أو لا جدوى الغواية امام الحب الأصيل المستقر للزوجة التقليدية، أو عبث أن تبيع وطنك لمجرد فتح سوبر ماركت، أو موت احد أقاربك في غارة إسرائيلية لاحقة، أي إنبناء لا خيانة المصري العادي على أسباب هكذا راسخة في مفهوم المصريين عن هويتهم الأصيلة والمتخيلة.
الفيلم «رجال لاتعرف المستحيل» إنتشر على «الهاردات» المحمولة مع دخول الكمبوتر في حياة المصريين، إنتشرت لقطات منه على اليو تيوب، لم يُذعْ كمادة بصرية على الشاشات بل تحول إلى سلعة سرية متبادلة في الخفاء دون أن يحقق صانعوه أي ظهور إعلامي رسمي أو يجري الإعتراف بهم لاحقا كصناع لسينما من خارج الإطار، بل تناقلت أحاديث إعتقالهم لاحقا على يد أجهزة سيادية.
من عالم «الهاردات» المحمولة إنتقلت السخرية إلى عالم البرامج الكوميدية على شاشة الفضائيات الخاصة. والموضع هذه المرة هي السينما المصرية وتراث الأبيض والأسود تحديدا. أفلام مثل «في بيتنا رجل « أو «الأرض» أو «رد قلبي» تحولت مشاهدها الأثيرة إلى إسكتشات كوميدية في برامج رمضان. قناة رائدة في هذا المجال هي قناة «موجة كوميدي» ظهرت للمرة الأولى منذ أربع سنوات جعلت فواصلها للسخرية من افلام مثل «معبودة الجماهير» و«الخطايا» حيث تم تحويل المشاهد الرومانتيكية والدرامية الجادة جدا إلى مايشبه الكاريكاتير عبر التطرف في المكياج وتضخيم الشحنة الإنفعالية.
القناة (ودون أن تدري ما في نقلة الغرافيك أصلا من تشويه متعمد) لم تقف عند هذه الحدود، بل جسدت معظم المشاهد الكلاسيكية في نسخ غرافيكية في مسابقات يجري فك طلاسمها عبر رسائل تليفونية يرسلها المشاهدون، فقدم الثنائي سرحان ونفيسة مشاهد لأفلام مثل «العار» و«رصيف نمرة خمسة» و«صراع في الوادي» مع تحوير الحوارات بلهجة حديثة وبتفاصيل من الحياة الواقعية اليومية الآن، ويطلب من المشاهدين معرفة إسم الفيلم.
إستهداف ما يسمى بـ«الزمن الجميل» أي تراث الستينيات والسبعينيات والثمانينات يأتي كرد فعل غير واع لجيل جديد من المبدعين ضجر من تحجر «النوستالجيا». وما إصباغ المشاهد باللغة العامية وكسر الإيهام بإدخال تفاصيل الزمن الحاضر إلا صرخة من رسوخ هذا الحس الدائم بأن ما مضى هو الزمن الذهبي. هذا على مستوى، فيما ينبني مستوى آخر على عدم قدرة هؤلاء المبدعين على الربط بين ذلك التاريخ الذهبي وركاكة الواقع الحالي. بالطبع لايتحدث هؤلاء هكذا، أو هكذا يدركون الأشياء، لكن نمطا جديدا للتذوق وإرتباطا جديدا بالحداثة الإعلامية المجلوبة مع العولمة أكسبت هذا الجيل نوعا من التحرر من عبء تاريخ لم يشاركوا في صناعته، بل جرى مسخ زمانهم لصالحه.
فن الإعلانات، وهو من أكثر الصناعات المعرفية المصرية الناهضة في العشرين عاما الأخيرة، كانت له الريادة تاريخيا في خوض تلك التجربة من الهدم حتى حدوده القصوى، فألحان تاريخية كلاسيكية يعاد إحياؤها بكلمات جديدة على منتجات حداثية كانت البداية، هاجم حراس التراث والفن المصري الأصيل، كما يسمون أنفسهم، ذلك الإستخدام الوسائلي لتراث الهوية المصرية. أم كلثوم وحليم وعبد الوهاب ومجمل الأغان الوطنية جرى إعادة تقديمها على منتجات مادية كالصابون والشيكولاتة والشامبو ومسحوق الغسيل، وشهدت نهاية الثمانينيات بداية موجة الإستجوابات البرلمانية لأعضاء الإخوان المسلمين وبعض المستقلين الذين هالهم كم الإشارات الجنسية وتذاكي الإعلانات في التلاعب بالوعي الشعبي على ألحان إعتبروها مقدسة.
القداسة، إرتبطت من وجهة نظر هؤلاء بتراث جرى إنتاجه بشكل نخبوي وجرى إستهلاكه بشكل جماهيري معمم. ودفاع هؤلاء كان دفاعا عن موقعهم المتراجع أمام لاعبين جدد يهشمون أكثر مما يبنون، يشاركون في صياغة غالبا ما ظلت حكرا على «أيقونات» لاتمسها شائبة. والهول كان من تعاظم تأثير تلك الصناعة في وعي المستهلكين، لدرجة أن كثيرين باتوا لايتذكرون الأصل المقدس للحن أو الأغنية ويفرحون بالمسخ الإعلاني.
الضمير الجمعي للمستهلكين (إعلانا وسينما وتلفزيون) إستوعب تفكك الحاضر وإنقطاع صلاته بالماضي المشتهى. وفي حدود عجز تلك النخب التقليدية عن خلق أوهام جديدة صرخ الجميع: أنتم لاترحمون ولاتتركون رحمة الله أن تنزل علينا!
جزء من حسبة هذا التركة (السينما، التلفزيون، الراديو) خرجت أصوله فعلا من يد الدولة. فمنذ سنوات وجزء كبير من تراث السينما المصرية الكلاسيكية تم بيعه لمستثمرين مصريين وعرب، وأعني بالدولة التلفزيون الرسمي وبقايا شركات الإنتاج القديمة، تملكت القنوات الفضائية العربية والمصرية الخاصة آلاف الأفلام، وانتقلت بالتالي السلطة المعرفية والتاريخية لتلك الأفلام لإدارات جديدة. قامت تلك الإدارات بإعادة ترميم تلك الثروة وإعادة تقديمها بشكل جديد، ومن ضمن آليات العرض الجديد عمل ما يسمى بالتنويهات أو البروموهات، دخل على خط إعادة التخيلل لهذه الثروة جيل جديد من كتاب النص التنويهي للأفلام فإنطلقت السخرية عميقة وصافية.
تقوم حملة إعلانات «فيلم عربي ...أم الأجنبي» على مايسمى بالنص التخييلي المسلسل، حيث الحملة قائمة على مشهد ثابت يتكون من مخرج شاب «وديع» يتوجه إلى منزل منتج «إلهامي» ومعه سيناريو فيلم جديد. وفي كل إعلان من السلسلة التي وصلت أجزاؤها إلى ثمانية إعلانات، يجري التعامل مع فيلم مصري وفيلم أجنبي ترافقا في زمن الإنتاج. ويحدد العنوان الإعلاني الفيلم الأجنبي تحت عنوان»الحقيقة وراء روكي «مثلا، تظهر فيللا المنتج في مشهد خارجي على تاريخ 1975، وتدل كل إكسسوارات ومكياج الممثلين وملابسهم على صرعة الألوان الفاقعة زمن الشارلستون. يدخل المخرج بالسيناريو والسينارست على المنتج الذي يشبه تمثلات السينما المصرية لمنتجي أفلام المقاولات، من حيث الفجاجة والجهل والتعالي، وانعدام الثقافة. يبدو مشهد المخرج وهو يتذلل للمنتج كي يستمع إلى حكاية فيلمه الجديد تهكما عنيفا على تجارية فن السينما وتراتبيته التي تجعل من صاحب المال متحكما في مجمل الصناعة. المخرج أقرب لسمسار أفكار، يجلب السيناريو وبعض الممثلين ليمثلوا مشهدا من فيلم روكي. يصرخ المنتج» يعني إيه مفيش قاضية (أي ضربة قاضية لينتصر الملاكم(البطل)، ثم يخرج من درج مكتبه فيلم «فيفا زلاطة» وهو فيلم هزلي أنتج في السبعينيات من بطولة فؤاد المهندس كـ«بارودي « لفيلم فيفا زباتا. يقول صوت المعلق فيما المخرج يرفس السينارست محتفيا بمقترح المنتج: ف السنة اللي رمينا فيها روكي أنتجنا فيفا زلاطا، فيفا زلاطا عرض في 3 سينمات، حقق 70 ألف جنيه إيرادات، فيفا زلاطا على ميلودي أفلام، أفلام عربي ....أم الأجنبي (مكتوبة على الشاشة).
يتكرر الامر نفسه مع أفلام عالمية شهيرة كانت قد عرضت على المنتجين المصريين-كما يسخر سينارست الإعلان- لكنهم فضلوا أفلاما عربية ركيكة المحتوي والمضمون، رفضوا «تايتانك» وأنتجوا «لحم رخيص»، رفضوا «الراقص مع الذئاب» لينتجوا «عضة كلب»، وهكذا، والنقاط الفاصلة بين أفلام عربي وأفلام الأجنبي تستطيع إكمالها بكلمة سوقية شائعة في مصر تعبر عن فرج المرأة.
مدهش أن تعلن عن منتج (الأفلام العربية التي تملكها القناة) بالسخرية منها هكذا سخرية. وأن تعبر بفجاجة ذكية عن الفارق الضخم بين السينما المصرية والسينما الأميركية، هاجم كثيرون الحملة بمنطق أنها تحتقر الأفلام المصرية، دون أن يدركوا أن المنبت الأصلي للسخرية هو من ميكانيزم الصناعة نفسها. تجاريتها في تحكم رأس المال، إصراراها على الإقتباس وتنفيذ الأفلام المضمونة وعدم القدرة على الإبتكار، السخرية من تحكم الجنس والبطل الذي لايقهر وباقي الكلاشيهات المعروفة، وحتى لو أحسسنا أنها تحقير للسينما المصرية، فالآفلام المصرية المختارة في الحملة بالفعل أفلام تافهة، جاء المخرج ليضعها في السياق الزمني الذي كان العالم ينتج فيه أفلاما مهمة ليوسع لنا مشهد الريادة الزائف ويفضحه.
لاتقف السخرية عند حدود إستهداف الماضي فقط، بل تتجاوزها للسخرية من الواقع. فمذيع راديو كأكرم حسني وجد شهرته في إبتكار شخصية سيد أبو حفيظة مذيع «نشرة أخبار الخامسة والعشرون»، والتي يقدم فيها مزيجا من السخرية على المذيعين والضيوف في تعليقهم على الأحداث السياسية والفنية. شخصية سيد أبو حفيظة صاحب الشعر المنكوش والنظارة الضخمة ومنديل عرق الياقة تمثل قلبا لصورة المذيع التقليدية، وسخريته من معالجات الميديا للأحداث الواقعية غالبا ما يردفها على مشاهد من السينما القديمة. وقد طور برنامج لاحق أسمه الكابوس، يجمع فيه مقابلات مع من أفترض أنهم شهدوا رحلة كفاحه، ساخرا من برنامج وثائقي عرض في نفس الوقت أسمه «الأحلام» عن قصة صعود المطرب الشهير عمرو دياب.
قد يبدو رسوخ الماضي قاعدة تصويب جيدة للسخرية، خاصة لدى شعب يسخر في قيامه وقعوده من نفسه ومن الآخرين، لكن الأمر لايقف عند حدود إقامة القطيعة فقط مع هذا الماضي، ولايقف عند حدود جيل جديد يسخر من ذاكرته وذاكرة آبائه، ولاهي في النهاية تعبير عن مجرد إنتقام من بؤس الواقع. الأمر ربما يكون دعوة لبداية جديدة، دعوة لا تجد في هوية الماضي إلا صور الهزيمة، أو على الأقل نفاذ الرصيد. فقد إستهلكناها لحد الإشباع، وما بعد الإشباع، غالبا ما يحين موعد التقيؤ.