سيبونى اتوه

كائنا ما كان ألا أوجد كان هو الأفضل

الثلاثاء، أبريل ٢٠، ٢٠١٠

خدمة تجوال القمع العربي تقدم: دولة الكويت ....تدوير فائض الإستبداد المصري عبر دولة شقيقة


هاني درويش

لم تكتف السلطات المصرية بفضيحة عدم التحقيق في ترحيل نحو 30مواطنا مصريا من الكويت، بل تسلمت الإشارة للتعسيف بهم واعتقلت وليد ثروت منسق فرع الحملة الوطنية للتغيير في الطريق من المطار إلي منزله.

بالطبع لم يعتقد أحد إمكانية أن تنصر مصر مصريا في وجه دولة شقيقة، فما بالنا والدولة الشقيقة(الكويت) جاملت النظام المصري بإعتقال مقيمين فيه حاولوا الإجتماع بناد عام(نادي السالمية) لمناقشة مستقبل بلدهم، بل لم نتوقع أصلا الإشارة الخجولة من الخارجية المصرية التي

ألمحت إلي استفسارها التقليدي عن أسباب الترحيل، وأصدق القول أن الأمر لم يصل حتي حدود البرقية في مثل تلك الحالات.

الأمر الخطر في هذا الشأن (فتوحات القمع بالإنابة) هو السؤال التالي: هل تجرؤ دولة الكويت في تطبيق نفس المعايير علي نحو مليوني مقيم من نصف أصقاع الأرض في حال فكروا مجرد التفكير في النقاش حول أي من قضايا الكوكب الذي يتشاركون العيش فيه علي رقعة صغيرة أسمها الكويت؟

والسؤال التالي مباشرة هو عن تلك الوشائج الأمنية الجديدة التي تتشكل إينما حل المصريون علي مقاس النظام المصري، فلم نعرف عن الدول العربية الشقيقة تعاونا امنيا حثيثا إلا فيما يخص الوهم الإرهابي المشترك، بل وحتي فيما يخص علاقة المقيمين بالنشاط الديني السياسي فإن بعضا من حماية القوي السلفية التقليدية للمواطنين تحمي المغترب المصري الإسلامي من بطش حكوماتهم وحكومته، ولنا في الكويت نفسها مثال حيث استضافت الإمارة النفطية تنويعات من الإخوان المسلمين المطلوبين أمنيا لسنوات طويلة(وفقا لشهادة الكاتب الإسلامي فهمي هويدي في مقاله بصحيفة الشروق اليومية المصرية يوم 12 ابريل الجاري)، ناهيك عن الحاضنة التاريخية التي وفرت للآلاف من كوادر التيار السلفي السياسي والمسلح ممرا أمننا نحو أفغانستان وحواشيها النضالية عبر الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، حيث لعبت دول الخليج ولا زالت تلعب دور الأرض الآمنة وزاد المؤمن المالي والأمني في مستهل مشواره الجهادي، وحتي حين اكتوت دول مثل قطر والسعودية والكويت والإمارت من رذاذ تفجيرات العابرين بأرضها لم يقل دعمها ولو لحظة لما تعتبره حقا تارخيا لها في لعب دور الحديقة الخلفية للإرهاب، حيث يمثل أي صدام مع تلك الحقيقة فتحا لحربا أهلية داخلية مع القوي المحافظة التقليدية التي تشكل القوام الأهم في مجتمعاتها.

الكويت، قبل أشهر منعت دخول المفكر المصري نصر حامد أبوزيد، وهي في ذلك التحسس من مفكر زاع سيطته كعدو تاريخي لحركة الإسلام السياسي كانت تستجيب لضغوط كتلة سلفية صاعدة في البرلمان الكويتي. الأمر هذه المرة مختلف، وكل الإشارات تدل علي دور لعبته المواءمات السياسية البافلوفية ودور نافذ للسفارة المصرية في الكويت التي لم تقدم حتي طلبا بمقابلة المعتلقين الذين قضوا يومين تحت التحقيق.

يقول وليد نصر القط أحد المرحلين(نقلا عن موقع اليوم السابع المصري) أن أبرز الأسئلة والتهم التى وجهت إليه خلال مجرى التحقيقات التى استمرت لما يقرب من 12 ساعة، حسب قوله :أنت بتأيد البرادعى؟، ليه بتأيدوا البرادعى دا الرئيس مبارك صاحب فضل "، كما وجهوا لهم تهم سعيهم لإنشاء منظمة بدون ترخيص. ويتضح من نوعية السئلة عن فضل الرئيس مبارك أن المحققين كانوا يتأملون علي مايبدو نكران المصريين لجميل الرجل الذي ساهم في تحريرهم!

يبقي السؤال، هل اتصل مثلا وزير الخارجية المصري أم وزير الداخلية لطلب التعاون مع الجهات الأمنية الكويتية؟ أم أن السفارات المصرية في الخارج تركت مهام العمل تحت قيادة الأجهزة السيادية المعروفة كالمخابرات لتعمل بالوكالة لصالح أجهزة أمن الدولة المصري؟

إن حدث ذلك فعلي الدنيا السلام، لأن نشاطا مخابراتيا مصريا عبر سفارتها قد يبدو مبررا في حالة الدفاع عن مايسمي بالأمن القومي المصري، ولو تحول البردعي وجمعيته وأمر الرئاسة ومستقبلها لبوصلة عمل جديدة لتلك الأجهزة فهو يعني أن تعريفا جديدا لوظيفة تلك الأجهزة بات مطبقا علي عكس سمعتها المتعالية والمشوبة بعدم المساس.

نكاد نلمح في السنوات الأخيرة- وكاتب المقال من المشككين في الحدود الفاصلة بين أنشطة الأجهزة الأمنية المصرية منذ زمن- نكاد نلمح بما لايدع مجالا للشك تزايد سطوة أجهزة الأمن الداخلي علي حساب ما أعتبر مربعات مؤممة لأجهزة الأمن الخارجي، لكن ان يصل الأمر لمستوي اعتقال شباب مكافح مصري أضطرته (ظروف الأمن الداخلي والخارجي المستتب) إلي هجران وطنه بحثا عن لقمة العيش فهو يؤكد أن قوي ممانعة التغيير أو التفكير به أكبر بكثير من بعثرة ألوف من جهلة الأمن المركزي وقياداتهم في وسط العاصمة.

اكاد أتخيل رجفة تلك الأجهزة وهي تقرأ –مثلنا- تصريح حمدي قنديل قبل أسبوع من الإعتقال عن تواجد 500 مصري في الكويت من مؤيدي البرادعي، فهاهو ماظهر علي هيئة بالون إختيار تثقل موازينه ليس داخليا فقط-عبر توافد عشرات الوفود المبايعة يوميا علي منزله – بل خارجيا ، بل في أحلام شريحة همشت جغرافيا وأستقرت أحوالها ماديا ومنعت من التصويت في الإنتخابات أصلا، فإذا ما عرفنا ان نصف مليون مصري مقيم في الكويت خرج منهم 500 مخاطرين-وربما آمنين بحكم الإغتراب- بتأييد البرادعي، لأدركنا عمق الرسالة التي حملها التعاون الأمني المصري الكويتي الجوال من رعب مستغرب علي ثقة نظام يحكم منذ 30 عاما دون منافس لا افتراضي ولا واقعي.

بالتفكير في طبيعة المغتربين المصريين حاليا في دول الخليج نكتشف بعضا من فصول رعب النظام المصري، فهم علي الأقل لسوا عمالة رثة ذهبت لتحسين اوضاع الكفاف المصري التقليدي، معظمهم من شرائح تكنوقراطية وإنتلجانسيا عليا استطاعت أن تحافظ علي مواقعها في سوق عمل متقلص بإضطراد، وتأمل نوعية المعتلقين الثلاثين تؤكد نزوع شريحة لا بأس بها ممن لم يرتبطوا بشروط الإستزلام السلطوي المصري نحو الحلم البردعاوي، حلم مفاده إمكانية وجود مصريون آخرون غير شريحة المقاتلين علي قوتهم اليومي، الفارغين من طموح تأمل أوضاعهم العامة، المنصرفين بسلبية تجاهل الشأن العام إلي مستويات التعفن حياة، وهم –تلك الشريحة الحالمة- تدرك تماما بحكم تأملها الطويل لنموذج الرادعي-بوصفه عصامي مثلهم بني مجده الكوني خارج شروط الفساد المصري اليومي- أن مصر التي تركوها وإن لم تبارحهم في البعد علي حافة لحظة فاصلة.

تشكل الإستجابة المتصاعدة للخيال الذي وفره البرادعي بعضا من طموح شرائح منوعة من الطبقة الوسطي المصرية، فالرجل بفضفاضية برنامجه السياسي ، بنزوعه نحو اللبرلة ورفض ثنائية السلطة المستبدة والخيار الإسلامي، بطوحه نحو اشتراكية ديمقراطية قائمة علي مقاومة الفساد ودعم الشفافية داخل النمط الرأسمالي، بإيمانه الفطري بقدرات مصر المخبؤة أو التي جري تجريفها عبر الإستبداد والتهميش، بذلك النزوع نحو أمل ما، بكل تلك المقدرات والطموحات- رغم محدودية تأثيرها في القطاع المغيب عمدا عن المعادلة- هو الوحيد الذي يعد بطريق وإن كان غير ممهد للخروج من متتالية السقوط المذري، البرادعي، وفقا لهذه الشرائح، نموذج لعافية قديمة وأصيلة في هذا البحر من اليأس المعمم.

وزارة الداخلية الكويتية لم تعدم وسيلة (مصرية المنشأ) إلا واستخدمتها لتبرير موقفها، فقال بيان لها: "على المقيمين الالتزام بقوانين الدولة وأنظمتها، وقالت في بيان مقتضب ، إن قوانين البلاد تحظر على كافة الوافدين القيام بالمظاهرات أو التجمعات السياسية التي من شأنها الإضرار بعلاقاتنا مع الدول الأخرى".، إلا ان صلاح الغزالي رئيس جمعية الشفافية الكويتية وصف الإجراء الحكومي لبلده بالمتسرع ملمحا –وفقا لمانشرته جريدة الشروق اليومية المصرية - إلى أن الإجراء ما كان ليحدث لولا وجود توصية ومراقبة من السفارة المصرية لكل ما جرى، متسائلا:ماذا سيكون رد فعل الحكومة يا ترى لو خرج هؤلاء المبعدون لتأييد مرشح الحزب الحاكم في مصر هل كانوا سيبعدون؟
فيمااعتبر الدكتور ساجد العبدلي المحلل السياسي، أن التحرك الحكومي جاء ملبيا لبعد سياسي بحت وليس أمنيا أو قانونيا، ولفت إلى أنه لم يحصل في تاريخ الكويت أن جرى اعتقال أشخاص على خلفية تجاوز وجرت محاكمتهم وتنفيذ العقوبة في غضون ساعات!

اللافت للإنتباه في هذه التحية الرئاسية المحمولة جوا أو عبر خدمة تجوال القمع العربي أنها وإن مثلت سابقة خطيرة، ربما أدي تعميمها لاحقا –وفقا لدرجة المجاملات الإستبدادية- إلي فضيحة دولية خطيرة للنظام، فشاغل العالم بالشأن المصري المتلخص في متابعة الحركات الإحتجاجية الفضائية، ومن ثم تبرير إستبداد النظام تحت إدعاء سماحه بالحد الأدني الذي يتيح للمعارضين بالخروج للشارع، هذا الحد الأدني ، والذي تعفن العالم ومل من متابعته بلا نهاية يضاف إليه تهمة البوليسية العابرة للحدود، ناهيك عن تورط دول أخري في محاولة التحكم في رصيد لابأس به من رأس بشري مصري خارج التحكم المباشر، عبر تسليمهم كمعتقلي جونتناموا تحت الحراسة إلي الأمن المصري، وكأن إبداع االإستبداد المصري لن يهنأ إلا بتلويث اكبر قدر من محالفيه بمصائبه، او أن فائض الخبرة المصرية في القمع قابل لإعادة التدوير، عموما، أهلا بدولة الكويت تحت إشراف الأمن المصري القليل الحيلة.