سيبونى اتوه

كائنا ما كان ألا أوجد كان هو الأفضل

السبت، يونيو ٠٧، ٢٠٠٨

مسألة فرح


مسألة فرح

عباس بيضون

اليوم، لأمر ما، عليّ أن أكون فرحاً، أوصتني صديقة بأن أكون كذلك. إنه يوم واحد ويمكنني أن أستعير منه ساعة لنفسي، لأمر ما قررت أن أهدي لنفسي يوماً جميلاً. أن تستيقظ في التاسعة فهذا يعني أنك تستلم نهارك منقوصاً، وإذا كنت قررت أن تكون سعيداً هذا اليوم فلا طاقة لك على أن تحتمل ذلك مدة طويلة، وخير لك عندئذ أن تستيقظ متأخراً. اليقظة لن تتم دفعة واحدة، إن لها تقلباتها، فإذا انتبهت أخيراً يكون قد مضى عليك نصف ساعة وأنت تغالب لحافك وفراشك. هذه نصف ساعة لا تبعة لك عليها وقد انقضت لا في الحزن ولا في الفرح. انقضت من حساب اليوم الذي قررت أن تهبه للفرح، لقد استيقظت وها هي نفسك تطالبك بوعدك. ابدأ سعادتك لكن كيف يبدأ المرء سعادته. بالقراءة لكن القراءة مزمنة والكتاب الذي وقعت عليه هو كتاب ظللت تحسب أنك قرأته ولم يعجبك، ثم أنت تكتشف أنك قرأت بعضه ولم تصبر على بعضه الآخر، ولو أنك صبرت لكان لك رأي آخر، وها هي عشرون مرت وأنت عند سوء ظنك وظلمك، واليوم ليس يوم العدل على كل حال، إنه يوم الفرح والفرح غير العدل. بل يغلب أن العدل أقرب إلى الهم منه إلى السعادة. ولا نعرف للعدل رقصة فيما أظن، ولا موسيقى ولا طعاماً أو شراباً على اسمه. ثم إن القراءة ليست مفتاح السعادة ولو مرحنا بغير ذلك. قد تكون القراءة مغالبة للضجر لكن القراءة مع ذلك نوع من الضجر أو هي بالضجر أشبه، واستعانتنا بها عليه من باب مداواة الداء بالداء. ثم من قال إن القراءة، وهي هواية وحيدة ليست ككل فن وحيد، مدعاة للوحشة والحزن أكثر منها مجلبة للأفراح. لكننا مع ذلك نقرأ ونستمر في القراءة، نقرأ تعباً ونقرأ ضجراً ونقرأ قهراً، فالقراءة إدمان وليس في الإدمان في ما أعلم أي نوع من السعادة. ليس الإدمان سوى كراهية للذات، والقراءة قلما تكون شيئاً آخر. أما هذا المديح للكتاب والسعادة بالكتاب فخلّهما لوقت آخر. ماذا نفعل إذاً لنفتتح السعادة، الفطور لا بد أن في الطعام متعة، إنها متعة لكن حين نتذكرها وحين نجوع وحين نتوق إلى الأكل، أما أثناء الأكل فالمتعة أقل، ونحن في الغالب نستعجل البلع ونستعجل الانتهاء من الطعام، ولم يكن هذا لو أن فيه حقاً سعادة، ثم إن الأكل يبشرنا هكذا بنهاية كل لذة ومصير كل لذة، كلْ ثم تفلسف، أما حين تتفلسف قبل أن تأكل فقد ضيعت الاثنين: الأكل والتفلسف، ثم ماذا في فيلم على التلفزيون. لكان فيه سرور لولا أنك حملته سلفاً أن يجلب السرور، ثم إنك في السينما وحدها أنت نقّاد ومتطلب، وهذا ما يفسد المتعة، لكنك ترى فيلماً وفيلمين قبل أن تسأل نفسك، ها نحن أشرفنا على العصر وما عادت مهمة مسألة الفرح هذه. فنجان قهوة يتكفل بالباقي.