سيبونى اتوه

كائنا ما كان ألا أوجد كان هو الأفضل

السبت، يونيو ٠٧، ٢٠٠٨

حكمة الرئيس


بندقية الذهب تستريح في ظلال حكمة الرئيس المنهك

هاني درويش

طريقك إلي قصر عابدين هو رحلة بكل ما تعنيه الكلمة من إحالات في المعني ، فبمجرد إتخاذك قرار الإرتحال إليه ،أنت مضطر مثلا للإلتفاف حول أسوار القصر المترامية كي تصل إلي مدخل منطقة متاحفه فيما يشبه الطواف المقدس الذي ينتهي بالدخول من باب "باريس" ،سيواجهك عند الباب الوحيد المسموح بالولوج منه حي عابدين في طبعته الشعبية في تناقض مع المدخل التقليدي الرئاسي الرحب ذو الحدائق الغناء الأسطورية ، دخولك إليه بمعني آخر هو دخول من باب المستخدمين أو خدام القصر الذين لايحق لهم الدخول من بوابته الخديوية وكأن جغرافيا مداخله تؤكد علي روح السلطة ورسوخها ، تدخل مجالها الحيوي مع بدء مسيرة التيه أيا كانت الوصفات السابقة المقدمة لك ، حتي لو ساعدك بتشكك جنود قسم عابدين علي ناصيته من شارع حسن الأكبر ، مرورا بجنود الحرس الجمهوري ذوي الطبيعة المتجهمة حول السور ، وإنتهاءا علي بوابته من العسكريين ذوي الملابس المدنية المندهشين من زيارتك له وكأنك ضيف مفاجئ وصل لموقع حفلة طقوس سرية ، هذه الوطأة تتماشج مع إحساس أمني متربص بالزائرين يضعك غالبا في خانة الغرباء غير المرحب بهم ، وهوما يترجم علي الفور في تساؤل أمني مهذب – لكن يكرس الرهبة والسلطة في آن – عن عملك و سبب الزيارة ، علي الرغم من توقعك تخفف الإجراءات الأمنية لمكان ذو طبيعة تذكارية مدنية وإلا ما فتح من الأصل لإستقبال الجمهور، خصوصا وأنه نادرا ما إستخدمه الرئيس مبارك في الإقامة أو إستقبال ضيوفه الرئاسيين- إستقبل فيه الرئيس وعلي غير العادة منذ عامين الرئيس الروسي بوتين - ، لكنه كالعادة شبح الرئاسة القابع والمستتر حتي لو إنقضت مبرراته ، يزداد الشعور بهذا التسلط الأمني مع تصميم أحد العسكريين بتوجيهك بين ممرات الحدائق فارضا عليك خط سيرك دون مراعاة لأي لباقة أو إحترام لأريحية الزائر في جولة حرة خاصة وأن اللوحات الإرشادية كافية ، أنت محكوم في هذا الفضاء المفتوح من الحدائق المتسعة وتحت عيون مراقبة وكاميرات راصدة للخطوات بخط سير قمعي محكوم ومنضبط ، وفي هذه المسافة التي لاتزيد عن 200 متر يترسخ ذلك الإحساس بعبث تطفلك علي العوالم الرئاسية حتي لوكانت ممثلة في أطياف الهدايا الرئاسية، ومن ثم يقذف المكان فيك بتسطح جغرافيا قاعاته وعلو الأسقف ودائرية الجولة المدوخة روح تأويلية مبدئية للزيارة فرغم الإتساع والرحابة ثمة إحساس مستتر بالضيق ، إحساس بوطأة أشباح السلطة تدفعك للإستقرار في قلب معادلة السلطة كطرف مقموع دون أن يكون في ذلك التحليل أي ميل تعسفي مبالغ فيه ، فالمبني المتحفي الأقرب إلي مربع من القاعات الفسيحة التي تتوسطها باحات يبدأ بقاعة إسمها قاعة الرئيس مبارك تجاور مكتب قائد الحرس تفضي عبر المرور الإجباري منها إلي نكوص تاريخي فتعود القاعات بالتاريخ إلي الخلف علي عكس مسيرة التاريخ وصولا لقاعات هدايا عائلة محمد علي ، من الحاضر الراسخ إلي التاريخ وكأن الزمن يدور عكسيا ، ومن الوهلة الأولي أنت مدعو لكولاج بصري إعتقد مصمموا القاعة أنه الأفضل لتلخيص بورتريه السيد الرئيس التمهيدي، فهي تضم تنويعة منتقاة لتلك المعاني الضمنية التي تقوم الهدايا الرئاسية بتكريسها من حيث كونها نوعا من الرسائل والشفرات بين مرسل ( المهدي ) ومستقبل ( المهدي إليه ) ،تطالعك تنويعة كثيفة لتيمات عسكرية وفنية وثقافية ، الأسلحة حاضرة بكثافة ملحوظة كما في مجموعة الخناجر التراثية من دول الخليج المختلفة ، وماديا في هدايا ليبيا والعراق و السعودية ، الأولي قدمت طبعة ليبية من الكلاشينكوف الروسي تحت إسم ( سبها ) وسلاح آخر تراثي تحت مسمي( حكيم) أقرب لأسلحة الحرب العالمية الثانية تباهيا بتراث حركة التحرر الليبي زمن عمر المختار، أما رشاش عيار 9 مم طراز بورسعيد المصري أصلا فهو مفارقة ضخمة بلا شك ، تجاوره هدايا الديكتاتور العراقي السابق صدام حسين والتي تضم تنويعين من الكلاشينكوف الذهبي ، القطعة الأولي بإسم ( تبوك) وأخري بإسم( القادسية ) وهي التسميات التراثية لمواقع حربية إسلامية شاع إعادة تداولها في مناخ الحرب العراقية الإيرانية خلال الثمانينيات في مواجهة ماسمي بمواجهة المد الفارسي الشيعي الإيراني ، وتعود قطعتي الكلاشينكوف الذهبيتين إلي زمن الثمانينات ( 1988-1989) وهو الزمن الذي دعم فيه النظام المصري العراق بالسلاح والخطط الحربية في معركته الطويلة مع إيران ، الهدايا المذهبة التي تتناقض مع غائية سلاح شعبي كالكلاشينكوف تبدوا أقرب لإستعارة مجازية موحية عن نتاج هذا التعاون وإن شابها بعضا من الفجاجة الكاريكاتورية حيث بدت قطعتي السلاح التي أنيط بهما تكريس الفخامة العسكرية أقرب لقطعة إكسسوار مزيفة في فيلم أكشن هزلي ، أما السلاح السعودي المهدي بمناسبة إفتتاح المملكة العربية السعودية للمؤسسة العامة للصناعات الحربية عام 1998 فهو تكريم للدور المصري في هذا المشروع التصنيعي العسكري للسعودية ، وهو المشروع الذي يكرس صورة القيادة السعودية الباحثة عن مسحة من الوطنية العسكرية والذي بطبيعته يتناقض مع كونها واقعيا أكثر دول العالم مباها بإنفاقها العسكري الإستيرادي من الولايات المتحدة الأمريكية ، لكن إذا كانت السعودية والعراق وليبيا في هداياها الرئاسية قد لعبتا علي خيال الرئيس مبارك كحاكم عسكري من جهة وكرست من جهة أخري طبيعة إعتمادها علي وساطة مصر كدولة مصنعة للسلاح أو وسيط في بيعه ، فإن الأكثر غرابة هو تصميم الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة علي إستخدام معيار السلاح- رمزيا ( الخناجر والسيوف التراثية ) أو ماديا في تنويعات من المسدسات المختلفة – كمعيار للهدية الرئاسية ، لكنه ربما يعيد إنتاج العلاقة التاريخية للسلاح المصرية في ثورة الجزائر خمسينيات القرن الماضي ، الفضاء التخيلي للهداية الرئاسية محمل إذا بإستعارات كليشيهية تقليدية من معايير الحكم في البلدان العربية حيث السلاح رسالة تدل علي إستعارات مثل الشجاعة والمغامرة والقوة تعيد تأبيد الصور العسكرية التي أتت بمعظم هذه الأنظمة إلي سدة الحكم ،ولم يفلت من هذا الحس العسكري في هدايا القاعة الأولي إلا بعض الدول التي إما إتخذت من السلاح نموذجا للقطعة الفنية الفلكلورية التي ترتكز قيمته علي طاقته الرمزية أكثر من قيمته الوظيفية علي شاكلة هدايا الخناجر التي قدمتعا دول عمان وسوريا والإمارات والفلبين واليمن ، هذا الإحساس وكأنك في ورشة تصنيع للسلاح يضعك علي عتبات خوف شديد لا تنجو منه بالإنتقال داخل بقية قاعات المتاحف ، فتعود بذاكرة الهدايا الرئاسية إلي عصر النهضة الأولي في ولاية أبناء محمد علي- وهنا يبدو إرتخاء العاملين والحرس متناسبا مع إعتبارها قاعات تاريخية - ليقفز التاريخ مرة اخري متجاوزا رئيسين في العصر الجمهوري المصري – ناصر والسادات - ويقابلك الرئيس المصري مرة أخري بمبني يضم أربع قاعات تحت إسم " متحف هدايا سيادة الرئيس وحرمه" ، الإحتشاد كلمة أقل من أن تعبر عن المشهد الماثل أمامك ، وكأنهم بتكاثف الهدايا الموزعة بين الحوائط أو داخل الصناديق الخشبية بطريقة لاتسمح أصلا بمشاهدة متأنية، يمارسون بهذا الإكتظاظ العشوائي دورا مزدوجا في تكثيف حالة الرهبة لديك ،تضعك العشوائية واللا تصنيف أمام حالة المخزن لا المتحف ، أو كأنهم يقولون هنا مخزن لقيمة ما ، أنظر لكم هذا الثراء ،كم أنت تافه وفقير ، أصوات كما الأشباح تتسلل إليك في جدلك مع صمت القطع الثمينة ، فلا يخفي عليك أنك غير مدعو أصلا للتلصص علي هذا السر المقدس ، علي هذا المحفل للقيمة الذي يظهر مدي ضئالتك أمام ثروة يكتنزها موظف كبير علي درجة رئيس جمهورية لا أكثر ، تختفي الأسماء علي الهدايا بل وتختفي أحيانا مناسبة إهداءها ويحل بدلا منها إسم الجهات والمؤسسات ، ، للمؤسسة العسكرية والأمنية حضورها الطاغي كخط إنتاج لاينتهي من الهدايا الرئاسية في رسائل وفاء وتقديس لقائدها الأعلي ، الصورة التي تقدمها المؤسسات الحاكمة لرئيسها الأعلي تبدوأكثر إنضباطا عبر عنصري الكريستال والذهب ، والمناسبات دائما تدور حول لحظة لقاء القائد بمرؤسيه في الأعياد العسكريةأو الوطنية ، تري مثلا نقش صورة الرئيس في شبابه القديم علي هرم من الذهب منقوش علي حجارته ما أصطلح علي تسميته بالإنجازات الرئاسية في إستعارة لفظية لخطاب الإعلام الحكومي الديماجوجي الحشدوي الذي لايجد مللا في ربط إنجازات الرئيس بإستعارة الهرم كرمز قومى خلاب، آيات قرآنية ومصاحف من الذهب الخالص تتوسطها صورة الرئيس الشاب ، عبارات المبايعة والولاء تضعك علي عتبات تخيل نفسك في متحف لإحدي الدول الشيوعية السابقة في عبادتها لقائدها الأوحد ، لكن داخل ذلك الخطاب الولائي بين القائد وجنوده غالبا مايعكس أيضا التوازنات الدقيقة والمتأرجحة التي أنتجها وصول الطيار محمد حسني مبارك إلي الحكم ، وهو ما إنعكس علي علاقة التوازن بين الأسلحة القتالية المختلفة داخل مؤسسة الجيش وتراتبيتها في تقديم الولاء له ، القوات الجوية مثلا ظهرت لهجتها المتفوقة علي غيرها من الأسلحة فهم أولي بالبنوة ، وتحت عنوان نسر مصر – إحدي الصور التي تحيل علي دور الرئيس المصري في قيادته للضربة الجوية في حرب السادس من أكتوبر- تندرج مجموعة من الهدايا التي تؤسطر لتاريخ الرئيس فهو حاضرا كما لوكان في ملف خدمته العسكري عبر ثلاثة صور شخصية علي درع في مراحل عمرية مختلفة وقد حلقت في أعلي الصورة المطبوعة طائراته الميج الروسية الشهيرة ، أو في خوزة موضوعة علي مجسم تذكيره بحميمية معداته القتالية ، أو في ورقة من سجل تشريفات محطة كهرباء خزان أسوان حيث يحيي الضابط العاملين بالمحطة في سجل تشريفاتها عام 1965 ، وأخيرة صورة تضمه مع دفعة كاملة من المشاة ورغم رتبته المتواضعة إلا انه يتوسط الدرع بصورة أكبر حجما وكأن سلاح المشاة يذكر الرئيس بإلتحاقه به ، علي العكس من باقي الأسلحة التي غالبا ما تهدي للرئيس هدايا تحمل معاني رمزية تخص إنجازتلك الأسلحة الكبير في معارك شهيرة فالبحرية تقدم درعها بصورة طرادة حربية في ذكري تدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات ، تستفزك هدايا المجسمات الكريستالية في إهداءات لوزارة الداخلية التي قدمت للرئيس ولائها في مجسما لأكاديمية مبارك للأمن أو في صورته المنقوشة علي كأس من الكريستال وهي المادة التي تمس من بعيد أبهة الماس لكنها تعكس كيتشا فنيا أصيلا، الكريستال بشفافيته وإيحاءه بالماس يعكس ربما مفهوم الثقة والأمان المطلق تعبيرا عن وظيفة الأمن الداخلي الذي يلعب دورا واضحا في ضبط الغضب الشعبي وكأن لسان حال صانعها يقول لن تجد أكثر " وضوحا وشفافية " منا ، وكلا الذهب والكريستال خامات ذات حس تفخيمي ثرائي وشعبوي يعكسان سذاجة فنية في التعبير عن الولاء ، وهو الفخ الذي حاولت دولة الإمارات العربية مثلا تجاوزه فجاورت الذهب بالحس الفني المرتكز علي إستعاراة تجذير الحضارة الإماراتية حيث الهدايا الذهبية مجسمات لوعول برية محلية ، أو مفاخرة بالتاريخ ممزوجا في مجسم لقلعة "المربعة" ومجسم للمراكب الشراعية ، فيما تتساوق الهديا السعودية في الغالب مع الجانب الديني الرمزي ممثلة في مجسمات ذهبية للحرم المكي والنبوي أو في مجسمات للنخلة التي هي رمز تاريخي للفقر الغذائي مصنوعة من سبائك الذهب، ، وتنعكس ظلال العلاقات السياسية الدولية في هدايا إسرائيل وفلسطين علي التوالي ، ففيما تركز إسرائيل بهديتان لوزير خارجيتها تعودان لعامي 1991 و2000 علي معني خياراتها المتأرجحة بين الحرب أو السلام ، الحرب في رأس حربة أثرية من البرونز تعود لما قبل التاريخ – رمز غريب لدولة مجمل تاريخها السياسي ستون عاما !-داخل صندوق خشبي تواجهها في الحشية الداخلية غصن زيتون معدني رمزا للسلام ، في سيناريو لاتمل إسرائيل التلاعب به في تناقض عنيف وبارانويي ، أما فلسطين الدولة المأمولة فقد ركزت هدايها المصنوعة من المجسمات الخشبية المطعمة بالصدف علي مركزية قضية القدس بمعناها الديني ممثلا في قبة الصخرة الشهيرة محاطة بكثير من الآيات القرآنية التي تثبت إسلامية القدس ، أما حضور هدايا المجهولين في عرض التفاخر الرئاسي فيتمثل في صور مرسومة علي السجاد أو لوحات زيتية قصد منه إصباغ طابع شعبي بحثا عن صورة مكتملة للرئيس ، لكن تعبير العامة أو المجهولين يخدش إنضباط الصورة الرئاسية التقليدية بوصف أعمالهم محاولة شخصية لرسم صورة خاصة عن الرئيس وحرمه ، هكذا ينقلب السحر – النفاق – علي الساحر – الرئيس قيظهر في لوحة زيتية ضخمة للمواطنة سونيا حبشي أشعثا عجوزا ذو قسمات غائرة مهموما ومكدودا ، في حين يرسمه مواطن علي سجادة صغير – أقرب للقطع السياحي الإستهلاكي وكأنها ستباع للسائحين مثلا في خان الخليلي!!- شابا نحيفا ممصوص الوجه ، في حين يطل عليك الرئيس في لوحات فنانيين كوريون أقرب ما يكون إلي الصرامة بمسحة من التسامح الآسيوي – لاينقصه إلا عيونا ضيقة - وبخطوط مستقيمة في مشهد تشكيلي يضع النيل والهرم وحمامات بيضاء في وضع الطيران بينما تتشابك يده خلف ظهره سائرا في حديقة غناء ، وفي مشهد كوري آخر يجمع بين الرئيس المصري ومثيله الكوري متشابكي الإيدي في ترحاب يؤكد "عمق التعاون " تبدو الأيادي المتشابكة أكبر من مقاييس جسدي الرئيسين أراد إبراز " التعاون " فأخطأ فنيا وبدت أقرب للكاريكاتير ، أما عن صورة الرئيس التي تعكس البروبجاندة التي تصفه بالحكمة و ومتاعبه من أحمال الرئاسة وأبوة حكمه فتظهر في لوحة لفنان الكاريكاتير عمرو فهمي – يعمل بأحد المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة – حيث يرتدي الرئيس نظارته الشمسية الشهيرة ويستند خده بحكمة علي إنفراجة بزاوية قائمة لإصبعيه متأملا من عمق اللوحة فيما يحتضن بصدره كل الرموز المصري الكلاشيهية ، الأهرام والنيل ، مئذنة المسجد وبرج الكنيسة ، ترس ومفتاح ضخم علامة النهضة الصناعية ، طائرة عسكرية في السماء، وتمثال نهضة مصر الشهير ، ومعامل ومصانع ،في كولاج بمقاييس متضاربة وألوان سياحية فاقعة ، بينما يراهن فنان يدعي محمد عبد الرحيم علي تواصل الأجيال الرئاسية في مجسم من البوليستر المقوي يظهر نحتا من قلب الصخر للرئيس شابا وهو يريح يديه علي حفيديه ، والمدهش في هذه المنحوتة صغر مقاييسها ونحتها لصورتي الحفيدين النادرين الظهور في المجال العام ، وأكثر ما يلفت الإنتباه في القاعة الداخلية هو كم الهدايا العادية التي تحاول الإيحاء بعادية حياة الرئيس ، فهاهو طاقم صيني للشاي والقهوة غالبا ما تجده في معظم غرف الطعام المصرية ، أو قطع من الزهريات الصينية والمعدنية والنحاسية مجهولة المصدر ، وكأن تجهيل مصدرها المتعمد يؤكد تلقائية وطبيعية الرئيس كمواطن عادي يتلقي هدايا عادية ، وهو ما يضحكك علي مجسم ضخم لبطاقة الرقم القومي للرئيس – كمواطن عادي وظيفته حكم مصر – تشير إلي تاريخ ميلاده ومحل إقامته ووظيفته ، وإن لم ينج الأمر أحيانا من مفارقات مضحكة حين يهديه فريقي الإتحاد السعودي والأهلي المصري طرفي كأس السوبر المصري السعودي سيفا من الفضة المرصع الأحجار الكريمة! في حين يهديه " معرض القاهرة الدولي للكتاب " مضرب إسكواش معدني عام 1993!!

من قاعة إلي أخري حاصرتني العيون والشفاه بعد أن شتت هدأة يوم الحراس والمرشدين ، وأخرجت كثيرا بطاقة الرقم القومي التي أشارك فيها الرئيس حق المواطنة ، أعرف أن حركتي بين القاعات كانت عشوائية لدرجة أن مراقبي الكاميرات قد يكتبون تقريرا مثيرا عن هذا الضيف الثقيل ، خاصا وأني توقف كثيرا أمام لوحة تعرض سيفا ألمانيا لجلاد من مقتنيات الخديوي إسماعيل في القرن السابع عشر كان قد كتب علي نصله بالألمانية مايلي:" يخاف المذنب المسكين عندما أرفع الفأس" ،.... " وهي الجملة التي أخافت الزائر لدرجة أنه جري من أمام بوابة القصر الكبير بمجرد خروجه فاتحا أزرار قميصه " هكذا سيكتبون .... علي ما أعتقد .