سيبونى اتوه

كائنا ما كان ألا أوجد كان هو الأفضل

السبت، نوفمبر ٢٤، ٢٠٠٧

حاسس أنك وحيد ....أهلا بك في مدينة أنفاق إغتراب القاهرة


حاسس أنك وحيد ....أهلا بك في مدينة أنفاق إغتراب القاهرة
ممالك الخيال المشنوق داخل عربة المترو
هاني درويش
"حاسس أنك وحيد ..
علي الأقل في إتنين غيرك
بيبصوا علي الإعلان دا
حاول تلاقيهم ..
خليك أكتر فضول
خليك أكتر نوكيا"
هل كان مصمموا هذه الحملة الإعلانية يدركون بحق حجم الوحدة التي تنتاب راكب مترو الأنفاق في القاهرة؟.لو فكروا قليلا لأدركوا أن "نوكيا" وأخواتها تحديدا هم اكبر السياجات الإغترابية التي تحيط براكب المترو ، هم أكبر من يعطون نفس الراكب إحساسا مزيفا بأن وحدته التي تستمر عبر محطتي الركوب والوصول ليست كاملة ، فمن يرفع بهاتفه المحمول ويعلي من صوته مسمعا من حوله عبر المكالمة أنه ليس بوحيد ، من يستقبل مكالمة فيبتسم ويعلق علي الحوار بجمل تحيل إلي حواره العقلي ،كلاهما يكسر حاجز إغترابه الذي يجعله فيما قبل المكالمة وبعدها مجهولا للمحيطين من حوله ، شذرات من حوار الطرف الظاهر في المكالمة تنبء بنوعية ذلك المجهول ، لغته ، علاقته بالمتصل ، عمله وأحيانا إنشغاله بأمر ما ، أو تفكيره بمجمله ، ينصت المحيطون تقريبا في هذه المعلومات وقد خرجوا من عزلة إستراحاتهم علي جوانب المترو أو تعلقهم كالذبائح في الحلقات المدلاة من سقفه ، ينتبهون بلفتة عين لمعاينة الغامض العشوائي وقد تساقطت منه إعترافات ربما تقطع حواراتهم العقلية التي لن تخرج عن حدود ما ينتظرهم في محطات الوصول ، أو كيف تركوا الحياة قبل محطة الركوب ،فبمجرد دخول تلك العلبة المعدنية متدافعين من الأرصفة يتركون أجسادهم لعبث التزاحم الإضطراري وينصرف العقل إلي شؤونه ، وكأن في تسليم الأجساد وإحتكاكها المستسلم طوق نجاة للعقل ، يحكي فالتر بنيامين في كتابه الهام "شارل بودلير ...شاعر غنائي في عصر الرأسمالية العليا" كيف خلق الترام نقلة نوعية في شكل العلاقات الإجتماعية لركاب المدن ، ففترات الإنتظار الطويلة علي أرصفة محطات القطارات التي تسمح بقيام علاقات إجتماعية بين ابناء المواعيد الواحدة تحولت إلي غربة عنيفة مع ترام كهربائي سريع ينقل الركاب دون إنتظار إلي محطات الوصول كغرباء لن يلتقوا صدفة في أي يوم لاحق ، إحساس التربص بالآخرين المجهولين الذين يمثلون خطرا علي الفرد يتعاظم ،ويبقي النظر وإستعراض البصر مثقالا لتكوين إنطباعات سطحية عن الآخرين ، فيما الربط السريع الذي ينقل عمال الأقاليم من الضواحي إلي قلب المدينة المالي والبرجوازي يشيع في اجواء الراكبين للترام / المترو ذلك الإحساس بالقوة الجبرية لسلطة المدينة ، فعند بوابات الدخول إلي المحطات تنتهي سيجاراتك وبصاقك التي تعاقب عليها الغرامات القانونية ، وبهذه التذكرة الصفراء الملتقطة من شباك زجاجي عبر طابور منتظم يتحول الراكب إلي رقم بين محطتي الركوب والوصول ، تصبح التذكرة الصفراء بطاقة هوية مؤقتة تنظم علاقة المناخ التسلطي لنظام الأنفاق بركابه ، يترك الراكب عند أبواب المترو كل خصوصيته لينتظم كقطعة اللحم التي تتحول إلي سجق فوق سلالمه الكهربائية ، فاصل دقيق بين عالمين تبدأ بالتهيؤ له من مداخل المحطة وسلالمها الخارجية ، ثم الإقتراب من الشباك الزجاجي و"كوته" التي يحدث بها تبادل التذكرة بقيمتها المالية ،ثم اخيرا عند ماكينة الدخول ذات القضبان الدوارة التي "تختم" هويتك المتروية .
في مترو أنفاق القاهرة الذي يخدم نحو ثلاثة ملايين شخص يوميا علي أقل تقدير رسمي، إستفادت الدولة من حكمة قمع القادمين من الضواحي التي حكي عنها "فالتر " في باريس البواكي ، فنهايات الخطوط ( المرج ، المنيب ، حلوان ، شبرا الخيمة ) هي أنابيب دخول الريفيين لقلب المدينة ، من الصعيد (المنيب ، حلوان ) ومن الدلتا (المرج ،شبرا الخيمة ) يدخل الملايين يوميا للعمل بالقاهرة أو لتخليص أوراق مع الجهات المركزية ، للعلاج كما للترفيه ، ومنذ اللحظة الأولي لدخولك تلك المحطات تضعك المدينة عند عتبات القمع الأولي ، أنت مراقب بالكاميرات الأمنية ، ممنوع عليك حمل الأمتعة الثقيلة – دون حدود قانونية محددة بل وفقا لأريحية ضباط أمن المحطات -، ممنوع من التدخين ومن تفويت مترو ، من الحديث بصوت عالي أو الحركة المريبة – دون تحديد معيار قانوني واضح لما هو مناسب أو غير مناسب- ينتشر عساكر وأفراد الأمن السريين والعلنيين لمراقبة كل شاردة وواردة في عالم الرصيف فقط ، وبمجرد صعودك من الأبواب يمثل جسد المترو المعدني المندفع حاضنة لأجساد جري تهذيب سلوكها بتأن ، أجساد منحشرة لاأكثر تتشارك مسافات ضيقة لاتسمح حتي بكسر النظام ( اللهم في لحظات عدم الإزدحام النادرة التي يتفنن أطفال المدارس في اللهو بها داخل العربات وحينها تتصاعد لعنات الركاب الكبار سنا متندرين علي عبث الأجيال الجديدة) ، في وسط هذا المشهد يتأفف الجميع من التلامس اللاإرادي الحادث مع حركة المترو، يتبادلون أسفا بتقدير للأسف في مشهد مسرحي معتاد ، يتحول إلي معركة في بعض الأحيان لوكان التلامس عمديا من ذكر إلي أنثي ، أما في حالة العكس عندما تلامس إمراءة رجلا فهذا مسموح به ، يتزاحم الركاب علي التعلق بالمساكات المتدلية من قضبان رأسية تسري في جسد العربة ، ويتدفقون في تيارات تتناوب الوقوف أمام المقاعد المكتظة التي تعد بفرصة جلوس قريبة ، الكنبة العرضية في المترو الجديد ( خط شبرا /الجيزة ) والتي تتسع بالكاد لأربع جالسين مستريحين تستوعب جليس خامس بالتضييق علي الحمولة المحددة ، الجليس الخامس غالبا مالا تستريح موخرته بالكامل بل يبقي مشرئبا للخارج قليلا فيحدث هذا الخلل كسرا في صف المنتظرين أمام المقعد العرضي ، إذا كنت من أعضاء هذا الصف المنكسر سيواجهك الإعلان التالي علي شريحة أعلي المقعد:
"لسه شويه علي ما توصل .
ممكن تسأل اللي جنبك عن أخباره !
خليك أكتر إجتماعية
خليك أكتر نوكيا ."
يصفع هذا الأعلان وجوه الحاضرين ، ربما لأنه وهو يرصد ذلك الصمت الحجري للمتجاورين الغرباء يطرح حلولا تهكمية لا أكثر ، لقد صمم هذا الفضاء تحديدا لإعلاء هذا الصمت ، لتصبح الكتلة الواحدة الملتحمة كلا منفيا ، حتي لوخرج أحدهم من صمته سائلا من يجاوره عن اقرب محطة تصله مثلا بحي عابدين ، سيتبرع أكثر من شخص بإفهام المتسائل كيف الوصول إلي تلك المحطة ، غالبا ماسيكرر نفس الشخص سؤاله مع تناقص المحطات التي تقربه إلي مبتغاه، وكأنه قد تشكك في كل ماقيل له ، وسيعبر المؤكدون له علي إقتراب محطته عن نفاذ صبر مدهش قبل أن يتبرع احدهم قائلا : حتنزل معايا ، يحتاج الغريب – وهم كثر يرتدون الجلاليب من محطات الضواحي البعيدة- إلي دليل مديني ، ضرير بكامل عيونه المفتوحة يتأمل تتابع لافتات المحطات من النوافذ الزجاجية ، متوترا سيقترب من الباب ، وحتي لو إلتزم النصيحة وصاحب دليله العشوائي حتي مخرج محطته ، سينسي أو سيتعمد ألا يشكره ، فإحتمال أن يكون ضحية منتظرة للعبة أبن المدينة المتبرع بالنصيحة قائم ، ستصفح السماء وجهه وهو يصعد سلالم المخرج ، يتنفس الصعداء ويبصق بكامل حريته فقد نجا من مصير الموت إختناقا في هذا الأنبوب البشري .

2 Comments:

  • At ٦:٢٢ ص, Anonymous غير معرف said…

    Oi, achei seu blog pelo google está bem interessante gostei desse post. Gostaria de falar sobre o CresceNet. O CresceNet é um provedor de internet discada que remunera seus usuários pelo tempo conectado. Exatamente isso que você leu, estão pagando para você conectar. O provedor paga 20 centavos por hora de conexão discada com ligação local para mais de 2100 cidades do Brasil. O CresceNet tem um acelerador de conexão, que deixa sua conexão até 10 vezes mais rápida. Quem utiliza banda larga pode lucrar também, basta se cadastrar no CresceNet e quando for dormir conectar por discada, é possível pagar a ADSL só com o dinheiro da discada. Nos horários de minuto único o gasto com telefone é mínimo e a remuneração do CresceNet generosa. Se você quiser linkar o Cresce.Net(www.provedorcrescenet.com) no seu blog eu ficaria agradecido, até mais e sucesso. If is possible add the CresceNet(www.provedorcrescenet.com) in your blogroll, I thank. Good bye friend.

     
  • At ٩:٤٨ م, Anonymous غير معرف said…

    Hello. This post is likeable, and your blog is very interesting, congratulations :-). I will add in my blogroll =). If possible gives a last there on my blog, it is about the Vinho, I hope you enjoy. The address is http://vinho-brasil.blogspot.com. A hug.

     

إرسال تعليق

<< Home