سيبونى اتوه

كائنا ما كان ألا أوجد كان هو الأفضل

الاثنين، سبتمبر ١٠، ٢٠٠٧

فساد الخرسانة يطيح بالواد " بتاع الوزير "


فساد الخرسانة يطيح بالواد " بتاع الوزير "
فاروق حسني ...هل يعلق قريبا من عرقوبه
هاني درويش

وقفت المذيعة الشابة علي سطح مسجد المؤيد شيخ الأثري عام 1999 تحكي عن تلك المفارقة الضخمة التي إكتشفناها في تقريرنا الإخباري الصغير الذي تخيلناه روتينيا فجاء مفاجأة بكل المقاييس، كنا قد تركنا الكاميرا تتحدث عن التناقض بين ما يقوله المشرف الأثري وبين ماشاهناه بأم أعيننا ، كان المشرف يحكي عن القواعد التي يجب مراعاتها عند ترميم أثر يعود لما يزيد عن الألف عام من ضرورة إستخدام مادة قريبة الشبه من مواد الحجر والملاط المستخدم فيما الكاميرا تنقل بهمة كيف كانت خلاطات الأسمنت لشركة المقاولات الشهيرة تردم ببرودة بقايا السور الأثري القديم والذي أبدع الأثريون في التفريغ حوله فيما عمال بملابث رثة يسون فوقه طبقات الخرسانة الخشنة ، من الداخل كان السور الجديد ينتصب بوقاحة رخامية باردة فيما إنتشرت في أرضيات باحة المسجد الواسعة مربعات خرسانية كأساسات إحداثية لمرحلة مد الرخام التالية ، لم يكن هناك مايدل علي أثرية المكان من الداخل إلا بعض القاعات التي كان بعض العمال يقومون بجلي رخام حوائطها ، هكذا خرجنا من المكان بوثيقة تهدم من الأساس ماتقوم به وزارة الثقافة من تخريب في مشروع القاهرة التاريخية المهول والذي تفتق به ذهن الوزير بعد التداعي الدرامي لأثار القاهرة القديمة الإسلامية بعد عام الزلازال الشهير أوائل التسعينات ، فهمنا أخيرا تلك الحيطة والشك الذي واجهنا بها شاب في منتصف الثلاثينيات قيل وقتها أنه سكرتير وزير الثقافة لشؤن القاهرة الإسلامية، كان إسم قناتنا الحكومية كفيل بفتح أبواب أعتي الوزراء لكن مقابلة المسؤل الشاب تطلبت أسبوعا وأخذا وردا طويلا عبر فاكسات مطولة، لدرجة أنني وقد هالني حجم التعنت والريبة والأسئلة المتشككة كدت أن أتراجع عن الفكرة من الأساس، الفكرة التي إنبثقت في زهني فجأة مع طول تجوالي بين منطقة باب زويلة والخيامية والتي كان مفادها أني وانا القاهري العتيد لم يتثني لي منذ سنوات مشاهدة هذا المسجد بعد أن سيجوه بهذه السقالات منذ سنوات طويلة بلا مبرر، بالطبع كنت أعرف ان هناك ترميما ، لكن خلف الهدوء المريب لسنوات لتلك الكتلة الكبيرة من حيز الشارع دون أي إنجاز ظاهرأكثر من معني ، أولها الغموض الذي حاول الباطون العالي تكثيفه فسد الشارع الضيق وجعل الحرم الخارجي للمسجد أقرب لفجوة زمن صامتة ومجمدة فيما ماقبله مرورا ومابعده أقرب لكرنفال ، ثانيا كان الحضور الحكومي القومي الممثل في يافطات بأسماء وزراء وشركات كبري للمقاولات في هذا الحيز الشعبي المؤمم ذو إحساس تشاؤمي ، فوفقا للحكمة الشعبية أيا جاءت الحكومة ( الدولة ) فهي علي حساب الشقيانين ، وحول المسجد الذي يشكل جانبه سور البوابة الشهيرة التي شهدت شنق آخر أولياء المماليك علي يد الغزو العثماني تشكلت هالة زمنية حول شخصية طومان باي الذي تحول بتعلق جسده متأرجحا إلي شهيد وولي يجله المصريون بحجم كراهيتهم للسلطان سليم الأول ، فهنا مات سلطانهم الشهيد بعد خيانة رجال الدولة ، والدولة الحاضرة الآن لا خير يرجي منها ولا أمل فيها ، وزارة الثقافة في كل مواقع القاهرة القديمة هي الممثل الفعلي للدولة ، إذا أشار مخططيها إلي بيت قديم طرد أهله وضم كأثر ، وإذا ماحضر مهندسي مشاريعها فمعناه إنقلاب حياتهم رأسا علي عقب ، ووزير الثقافة في هذه الأنحاء هو المحتسب القديم الذي يقلص حياتهم بأمر من السلطان ، الناس هناك ملتصقون بأحجار الأثر ، سكنوه ونحتوا أرزاقهم في حوانيت بثوها مداخله ومخارجه ، وتأتي الدولة لتنزع الجلد البشري عن عظام الحجر ، وخلف كل هذا المشروع مغزي حضاري إستشراقي بأيدي وطنية يري للأثر وظيفة إقتصادية سلعية لابد من جباية ثمارها حتي لوكان علي حساب البنية الإجتماعية البشرية للمكان ، خلف كل هذه الفلسفة كان يقبع في مكتبه المكيف بمقر الوزارة الشاب أيمن عبد المنعم أحد مماليك الوزير الذي صعد سلم التذلف البيروقراطي للوزارة من البدروم – حيث ألحق في البداية بالعمل كحارس أمن – وصعد بسرعة الصاروخ في أقل من خمسة سنوات ليصبح المتحكم الأكبر في مشروع القاهرة التاريخية ذو الغلة الإستثمارية التي تقارب المليار جنيه ، شركات ومقاولون ومكاتب إستشارية كانت إشارة من يد الشاب الريفي ابن المنصورة – شمال الدلتا - تدخلها أو تخرجها من منجم الملايين الحكومية ، ولأن الفتي عرف من البداية من أين تؤكل الكتف ، ناصر الوزير في خلافه مع الأثريين مثل عبد الحليم نور الدين وغيره ممن إعترضوا بعلمية علي ثقافة الإحلال بالخرسانة ، وفي سنوات محدودة درس السوق المستقبلي للوزارة ، وزارة للمهرجانات الثقافية تحتاج إلي مسحة إحتفالية تسمح للوزير بأن يتحدث أمام سيدته الأولي كل فترة عن إفتتاح أثر مرمم أيا كان ماتخفيه الأسقف والجدران والقواعد من تارخ قد علق علي المشنقة ، وطالما هناك شريط سيقص وفلاشات ستسطع فالوزير في كامل بهاؤه ، وصعد النجم الشاب لينفحه الوزير مع كثرة الشرائط المقصوصة مئات ملايين أخري ويسلمه دفة صندوق التنمية الثقافية الذي يصرف علي كافة مشاريع الوزارة ، يتحدث الوزير في مؤتمر صحفي عقده منذ أيام عقب القبض علي فتاه المدلل بقضية رشوة كبيرة طلبها من إحدي شركات المقاولات عن أن أيمن عبد المنعم لايمكن أن يطلب رشوة صغير هكذا !! وأنه يجب أن يوضع في الإعتبار ما أداه من خدمات وطنية جليلة ، طبعا يري الوزير بمقاييس فساد وزارته ان طلب أيمن من شركة المقاولات أن تشطب له شاليهه في الساحل الشمالي مجرد رشوة صغيرة ! ، وله الحق فالشاب الشهير ب "بتاع الوزير " يملك مثلا شقة بمنطقة الزمالك يصل سعرها إلي ستة ملايين جنيه والمؤكد أن الوزير يعلم عنها لذا يري في نصف مليون – متوسط أسعار التشطيبات في مثل هذه المناطق – رشوة صغيرة جدا ، وللحق لم أري في حياتي ماهو أكثر وقاحة من هذا الرد ، خاصة عندما يستتبعه كلاما علي وزن أنه لايتستر علي أحد وأن كلا من موظفيه" معلق من عرقوبه" ومعني القبض علي أيمن عبد المنعم أن وزارته شفافة جدا ، وذلك ردا علي سؤال حول تعدد حالات الفساد في وزارته ، ثم يردف أنه هو من تقدم ببلاغ ضد تجاوزات محمد حسين مسؤول مشروع آثار النوبة، لكنه لم يكن يعلم طبعا أن الخيط سيكر معه يده اليمني أيمن عبد المنعم ، والمهش في ردود الوزير هو ذلك الجدار العازل الذي يلف به نفسه كلما سقط أحد معاونيه ، وكأن إختياراته لهم لاتعني تحمله المسؤلية بل تصل درجة تواقحه عندما يؤكد أنه غير مسؤل عمن يأخذ رشوة – كأيمن عبد المنعم – خارج اوقات العمل الرسمية!! ، وردا علي سؤال حول تأثير ذلك علي حملته التي ستبدأ للترشح كأمين عام لمنظمة اليونيسكو ، يفصل الوزير بين عبث مماليكه وهذا المنصب الكبير والذي شرفه الرئيس بترشيحه له ، لايجد غضاضة في أن يترشح لمنصب بمؤسسة هي نفسها رفضت الإعتراف بمهازله الأثرية في مشروع القاهرة التاريخية ، ووصل بجبروت عناده أمام جدلهم العلمي الرصين إلي إختراع نظرية اثرية جديدة تؤكد أنه ليست كل حجارة تتهدم أثرا وأنه أحيانا لابد ان يتحكم الشكل النهائي في مضمون مايقوم به الأثريون ، وهي النظرية التي يبدو سيدرسها في اليونيسكو إذا ما قدر له الفوز، ويبدو أن نجاته هو زملاءه من الوزراء من شائعة تعديل وزاري جديد أحتسب في أجواءه من الخارجين الأوائل قد زادت من بارانويته ، خاصا وأن كل المؤشرات تميل إلي عدائية المجموعة الجديدة من أعضاء لجنة السياسات بقيادة الوريث جمال مبارك له ، وتضاؤل إحتياج الدولة لوزير ثقافة بالمفهوم التعبوي الستيني ، علي أن تقتصر الوظيفة التعبوية علي وزارة الإعلام التي ربما تتسلم من الثقافة مشروع النشر ممثلا في الهيئتان الكبيرتان ( العامة للكتاب وقصور الثقافة ) ، وتتحول الآثار إلي مايشبه الوزارة المستقلة ، وهو السيناريو المرجح وتتناقله الهمسات منذ فترة ، وهو تحديدا مادعي البعض إلي إعتبار إنفجار ملف " أيمن عبد المنعم " في وجه الوزير مؤشرا بلم اوراقه ، خاصا وأن جناح فساد الوزارة الثاني الممثل في مدير مكتبه فاروق عبد السلام قابل للحرق هو الآخر ، بل إن التهديدات وصلت إلي إشاعة أجواء حول رجله الأهم د. جابر عصفور الذي يبدو لن يهنأ بإستراحة الدخول في منصبه الجديد بالمركز القومي للترجمة لصيق الصلة بالسيدة سوزان مبارك ، المؤكد أن روائح فساد الوزارة والوزير قد طالت أنوفا كثيرة ، والمؤكد أن فاروق حسني أصبح سيناريو خروجه المعد سلفا قابلا أن يشهد مفاجأة إنتقامية من الطراز الأول خاصة وأنه قليلا ما استطاع التحكم في إنفعاله اثناء الضغط الشديد ، فهل نحن مقبلون علي الفصل الأخير من المسرحية الهزلية ؟.