سيبونى اتوه

كائنا ما كان ألا أوجد كان هو الأفضل

الاثنين، سبتمبر ١٠، ٢٠٠٧

محمد حجازي


"البورسعيدي محمد حجازي " جنين مشوه في سنوات الضباب
ملف "التحول الديني " يحرق أيادي مشعلي الحرائق
هاني درويش

تأمل حال ضبابية المشهد السياسي الحالي في مصر هي أقرب ماتكون لمسيرة عماء جماعي نحو هاوية لاقرار لها ، كثيرون لايستطيعون في هذه المرحلة الحكم علي كثير من الظواهر الإجتماعية السياسية وفق آلية منضبطة تعلي من شأن معادلة الأسباب والنتائج ، خاصا حين تؤكد النتائج عبثية المقدمات التي أدت إليها ، كثير من القضايا تنفجر أحيانا بعفوية لدرجة التشكيك في أصل عفويتها خاصة عندما تؤل النتائج إلي عكس المتوقع لها ، وتشهد القاهرة منذ بداية هذا العام تنويعات من العزف الجماعي علي ملف الحالة القبطية الذي يتجه نحو مزيد من الغموض المقصود ، بعيدا عن جو الإحتقان الطائفي التقليدي وجدلية علاقة الكنيسة بالدولة وصراع العلمانيين الأقباط مع الكنيسة ، فالملعب القبطي يشهد لأول مرة ذلك الإنفلات الذي سمح بخروج الصوت المسيحي الفردي الذي لم تستوعبه لأول مرة الأواني المستطرقة الطبيعية التي غالبا ما تحتويه ، وهو صوت مكتوم يجد تعبيره الفردي أخيرا خارج سرب الشعب الكنسي المبايع دوما لكنيسة الشعب وحبرها الأكبر ، فيما يتبادل هذا الصوت نفسه صدامه مع الخيال المجتمعي للأغلبية المسلمة المستفزة أصلا من علو الصوت المسيحي ، حالة الإحتقان تبلغ ذروتها مع وصول الأقباط بصراخ التمييز ضدهم – والصراخ علي عكس النضال المنظم غالبا مايؤدي لأفعال عكسية تشنجية من الأغلبية – إلي سدة المحاكم ، حيث تبادل كثيرون داخل المؤسساتين الدينيتين القصف المتبادل حول حدود الإنتقال السمح بين الدينين ، ففيما قانونيا لاتوجد عوائق لتحول المسلم إلي مسيحي إلا أن القضاء المصري وهو المنوط به تغير خانة الديانة في بطاقة الرقم القومي لم يصدر حكما واحدا لمسلم مرتد ، فيما يبدو الإنتقال السلس من المسيحية إلي الإسلام والمرحب به قانونيا وجماعيا من الأغلبية مدعاة أكبر للحديث عن التمييز وغياب الحرية الدينية ، إستغلال الثغرات القانونية السامحة بالتمييز علي خلفية التعاطف الإسلامي العام مع متحولي الديانة من المسيحيين يعمق الإزدواج القيمي للدولة ، خاصا مع جمود القانون الكنسي فيما يخص مسببات الطلاق بين المسيحيين ، الذي يدفع كثير من المسيحيين لإعتناق الإسلام لمجرد أنه يعطيه الفرصة للطلاق ، ثم عندما يحاول نفس الشخص العودة للمسيحية مرة أخري تقف العوائق القانونية التي بثها النظام التشريعي ضد الإرتداد عن الإسلام لتعلن له أن دخول الإسلام ليس مثل الخروج منه ، الكنيسة من ناحيتها والتي ترتكز علي مؤسسة الزواج المقدس لم تسمح في أي لحظة لرعيتها بالخروج بزواجهم خارج أسوار الكنيسة لأي سبب دنيوي فيما نفس السلاح يتحول لينفجر في وجهها فيخرج من المسيحية بسبب صعوبات الطلاق المئات سنويا ، نماذج كثيرة من المتأرجحين بين الديانتان ظهرت علي السطح لتؤكد عبثية الثقة الإسلامية العمياء في إسلام العديد من المسيحيين ، فيما قدمت النماذج نفسها بإحراجها لمؤسسة القضاء الدليل علي التمييز القانوني ضد المسيحية كدين، حالة النظام الحاكم الذي يتمسح في مفاهيم المواطنة بألفاظ مطاطة وعامة في تعديله الدستوري الأخير تتناقض مع التأكيد علي أن الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع في مصر ، البعض أكد ان الدولة قد فوتت فرصة ذهبية عندما لم تحسم دستوريا ذلك الإزدواج بإلغاء نص الشريعة الإسلامية من الدستور ن خاصة وان الأجواء بدت مؤهلة بإستيعاب ذلك مع توجيه ضربات أمنية عنيفة لجماعة الإخوان المسلمين أبان فترة التعديل فيما حوصرت كتلتهم الإنتخابية داخل المجلس النيابي ، كثيرون ممن كانوا يتمنون ذلك من الدولة كانوا يتخيلون ان الدولة بالفعل مع خيار المدنية والعلمانية وهو ماتنفيه الممارسة والنظرية معا ، فالنظرية تاريخيا تؤكد أهمية الغطاء الديني للدولة بدءا من إختيار ناصر للأزهر ليدشن من عليه حملته الجهادية الأولي عام 1956، ومرورا بالحلف الساداتي الصريح مع الجماعات الإسلامية في السبعينيات وإنتهاءا بهبة الدولة الموسمية للتأكيد علي إسلاميتها إذا ما دعت الضرورة ذلك ، والضرورات في الفترة الأخيرة كثيرة، لدرجة تدفع المتأمل الحزين للشك في أن الثورة القادمة ستكون إسلامية ومن داخل النظام نفسه ، بل إن الدولة نفسها ترجمت هذا الإزدواج الدستوري لمصلحتها فألهت الأقباط في جزرة " المواطنة " الفضفاضة ، ولوحت بعصا "الشريعة" في وجه الإخوان ، وتفرغت أخيرا لحصد ثمار بلبلة هذه العطايا ، الأزهر وهو المؤسسة الدينية الرسمية دخلت في خطوط التورط في تقريب السياسي بالديني فغرست أقدام شيخه الأكبر في أكثر من شرك ، والكنيسة الغاضبة من تمييز الأغلبية لها دستوريا بنص الشريعة لم ترفع صوتها وتركت لنجوم الصف الثاني فيها مهمة تهدئة خواطر الشعب المسيحي برفض تطبيق الشريعة الإسلامية علي المسيحيين ، ثم ظهرت جبهة العلمانيون داخل الكنيسة لتثور ثورة ورقية علي سلطة البابا شنود وتضعف من صوته التفاوضي الوحيد مع الدولة ، خاضوا ضده لأول مرة معركة نزع هيبة بتقديم لائحة جديدة للنظام الكنسي تفتت سلطاته الشاملة في هيئة مدنية ، مما دفع كثيرون ليربطوا بين صحوة العلمانيون المتأخرة وإشارة ترحيب سرية أطلقت من الدولة لتهديد البابا شنودة بثورة من داخل سور الكنيسة نفسها ، أما في الشارع الديني نفسه فقد ظهرت معالم التخبط بين الإشارات المتقاطعة ، إرتفع صوت أقباط المهجر مستغلا سابقة رفض الدعوة القضائية للعائدين للمسيحية ، وإنفلت التخبط ليشيع جدلا ساخنا حول تطبيق حد الردة – المجمد صوريا في القانون المصري- عليهم ، إنقشع الضباب لينقل تمييزا دينيا لا تنص عليه القوانين نصا وإن كانت تمارسه عمليا ، ثم كانت حادثة الشاب محمد أحمد حجازي الذي أعلن تحوله للمسيحية لتخلط قضية المتحولون بملف السياسة ، فالشاب البورسعيدي الذي تناقل في فورة الحراك السياسي الأخير من تنظيم إلي آخر ، هاهو يصب نارا طائفية علي ملف المعارضة المصرية ، فقد عرف عنه في بداية عمله السياسي إنضمامه إلي حزب العمل الإسلامي المجمد ، ثم ناشطافي التحالف الواسع داخل حركة كفاية الشهيرة بمعارضتها الصوتية ، ثم إنتقل بعد تجربة إعتقال قصيرة إلي منظمة الإشتراكيون الثوريون أكثر المنظمات اليسارية تطرفا وتناقضا في تحالفاتها السياسية ، ثم ظهر في طبعة أخيرة كأول متحول من الإسلام إلي المسيحية يجهر بذلك في وسائل الإعلام والميديا ، وقد جاء الفتي بالأساس من خلفية معركة أسرية طاحنة ألقت به متخبطا في أحضان الجماعات السياسية المختلفة مع شطط نسبي تمثل في إصداره ديوان شعري ركيك أتهم عليه بتهمة إزدراء الأديان وهي التهمة التي ألقت به في السجن لفترة وخرج منه لتتلقفه حالة السعار التنظيمي من أقصي اليمين لأقصي اليسار ، الفتي الذي يبدو إنتهازيا هشا إختار ببساطة أن يعيش علي المعونات المادية المتتالية من فريق إلي آخر خاصا بعد أن تزوج خلال هذه الأزمة بفتاة صعيدية تمارس تمردا أسريا ونفسيا مواز، يبدو أن إنفضاض الحراك النضالي لكفاية والإشتراكيون ومع هزائمه النفسية المتتالية وحالة الحصار قد دفعته إلي إختار أن ينتحر مجتمعيا ويفجر قضية المتحولين دينيا في وجه الجميع تمردا علي الدين والدولة والعمل السياسي العبثي الذي لم يخرج منه بطلا كبيرا أو صغيرا ، وهكذا تلقف الجميع طعم حجازي ، فإنبري محامي قبطي للدفاع عنه متخيلا أنه شأن قبطي وظهر شيخ التفريق بين الأزواج والحاجز علي أثاث الشعر أحمد عبد المعطي حجازي" الشيخ يوسف البدري" ليتوعده هو ومحاميه بقضية يثأر بها من إزدرائهما سويا للإسلام ، لكن الشاب ومع تكشف الحقائق عن تاريخه العائلي والإجتماعي فالسياسي والنفسي أربك حسابات الجميع بعد أن مزج أكثر من ملف بحماقة داخل قضيته ، كفاية مثلا سارعت بنفي إنتماؤه إليها منذ فترة ، وتنصل حزب العمل عن إفتتاحية مشوراه السياسي بين كوادره ، ثم تنازل المحامي القبطي عن دعواه التي حاول فيها إستغلال رأي المفتي القاضي بلا ردة للمتحول من الإسلام إلي المسيحية والتي صرح بها في صحيفة أمريكية كوثيقة تجبر القضاء الوضعي علي الإعتراف بتحول محمد قانونيا من الإسلام إلي المسيحية ، تنازل المحامي ممدوح نخلة عن دعواه بعد أن تكشف له ان إنتحارية محمد أحمد حجازي ستضر المسيحيين اكثر مما ستفيدهم ، والأخير يبدو بتصميمه في حواراته علي منطقة تحوله -بما إكتسبه من اداء سفساطي من العمل السياسي- مصمما علي إحراج الجميع ، كفاية والإشتراكيون الثوريون مثلا سيرونه دفيئة أمنية ربيت بين كوادرهم حتي يستغل في تشويههم جماهيريا ، والأقباط باتوا يخافون من إستغلال إعترافه بتنصره تحت وطأة إحتياجاته المالية علي جماعة تبشيرية في محاصرة إنجازهم بإحراج الدولة في قضية العائدون إلي المسيحية ، والعقل الجمعي للأغلبية المسلمة غير مصدق ومصدوم من قدرة مسلم علي " التبجح " بالخروج عن الملة أيا كانت أسبابه، حتي الأجهزة الأمنية وهي المنوط بها متابعة مثل تلك الحالات وجدت نفسها في لبخة شديدة لاتستطيع أن تنهج نفس وسائلها القديمة ، خاصة وأن الفتي قد تحولت قضيته إلي قضية رأي عام ، أي أنها لن تستطيع إنهاءها بجلسة وعلقة مراجعة في أقبيتها ، يقف محمد أحمد حجازي كالشبح الذي إنطلق كالعفريت من قنبلة دخان في شارع الوطن يكرهه الجميع رغم أنه ضحية للجميع ، لكنه للأسف كما الطفل المجنون رفع في لحظة غير مناسبة أقنعة الأباء والأمهات فظهر القبح ، أظهر للجميع أن الضباب ما عاد يصلح وحده لطمأنة كل فريق علي موضع قدمه ، وأن المستقبل الغامض لتحويل الوطن للوتارية ضخمة تخلط فيها كل الأوراق لمصلحة البقاء قد تؤدي علي العكس إلي الفناء ، فناء الجميع.