سيبونى اتوه

كائنا ما كان ألا أوجد كان هو الأفضل

الأربعاء، يونيو ١٣، ٢٠٠٧

بيرة وجيه غالي في صحة النكسة بعد أربعين"هل تعلم أن "علي بن الجنايني"لم يتزوج" الأميرة أنجي



هل تعلم أن "علي بن الجنايني" لم يتزوج " الاميرة إنجي"؟
"بيرة" وجيه غالي.. في صحة النكسة بعد أربعين عاما
هاني درويش
ماذا تفعل إذا ما فاجئتك تلك اللحظة دون إستعداد؟ تلك اللحظة التي يئن في أثناءها الجميع حفرا في الجرح الغائر لذكري نكسة يونيو الأربعين ، ولمزيد من الدقة لذكري هزيمة حملها الجميع أعباء تراجعاتنا المدوية قوميا ووطنيا ، وصارت شيئا فشيئا نقطة عودة سوداء حين يحاول الجميع البحث عن نقطة البلاء الأولي التي هطل بعدها سيل الترنح المدوي ، بصراحة أخري لم يكتف الجميع بذلك بل حولوا- فيما هم يجترون تلك الصدمة المدوية عاما تلو اللآخر- مناسبة الفخر الزائل بنصر أكتوبر ، إلي نصر معنوي لا أكثر ، نصر مسح العار لكنه لم يضف شيئا علي أي مستوي سياسي أو عسكري أو نفسي جمعي بل وربما أتت نتائجه السياسية المباشرة – إتفاقية السلام – لتؤكد لنا نحن المصريون أن تقطع أنفاسنا لنحو ثلاثين عاما في قضية فلسطين كان لابد أن ينتهي بأي شكل ، عموما وفي جميع الأحوال يبدو جيلي تحديدا ممن لم يروا نصرا أو هزيمة ، وتلقفوا بشكل سماعي محبب سيرة الأباء و الأقارب الذين يحكون عن لحظات الصمود والنصر ، هذا الجيل إبن إنجاز تلك المرحلة فنيا وحكائيا ، حتي لو إستمرت وتواصلت النتائج المرعبة لتلك التواريخ في حياتنا بشكل غير مباشر – المد الأصولي الغامر بعد هزيمة يونيو وإحساس اللآمبالاة الشعبي تجاه كل ماهو سياسي نتاج تحولات السادات – أقول أن مجري تواريخنا الشخصية التي ربما يرتكز مشهدها التأسيسي مثلا علي مشهد مقتل السادات مثلا يوم العاشر من رمضان عام 1981 ، ذلك المجري يحتاج إلي تعكير مقصود لتقليب مياه التاريخ كي نبقي جذوة العداء تجاه إسرائيل موقدة إلي أبد الأبدين ، رأينا الثورة فيلما وأغنيا وبرنامجا وثائقيا ومثلها النكسة المختصرة في خطاب التنحي الشهير ومشهد رفع العلم علي سيناءفي إنتصار أكتوبر كملخصات سريعة لتاريخ لا نجد له علاقة بما آل إليه حالنا الآن، وقبل أن يصرخ مدعي التواصل التاريخي الزائف ، أؤكد لكم أن مساحة القطيعة بين تواريخ تلك الأزمنة وبين كم ونوع زمننا المشوش بألف نوع من الأرق مساحة شاسعة ، لن يحييها فيلم " أبناء الصمت " أو " العمر لحظة " أو " الرصاصة لازالت في جيبي" ، لن يستمر الحماس طويلا لأغنيات " وصباح الخير يا سينا " أو "خلي السلاح صاحي " ، أما فيما يتعلق بالثورة ورجالها وزمنها وتلك النوستالجيا- التي تسكن عيون أبي فتدفعه للبكاء كلما شاهد فيلم الحرام- فهي تستحق التأسي علي تلك الرومانسية التي لانتمناها في أنفسنا ، القطيعة وحدها مع تلك التواريخ بما تحتويه من لحظات مجد وهزيمة ربما هي ما تدفعنا للنظر إليها بحياد بارد ، حياد نحتاجه كي نتعامل معها كتاريخ صالح للدراسة لا للتحزب، كأيقونة تحتاج إلي مجهر علمي لإزالة عوامل النحت والإرساب التي تركها الزمن المنقضي ، وفيما نحتاج إلي ذلك الحياد لابد أن نضمنه تنزيا علميا لكامل المواقف المسبقة ،لأرائنا المعلبة الجاهزة للطهو السريع في مطابخ عقولنا الجمعية ، هكذا مثلا تخليت عن كل الشبهات التي وصم بها عمل الروائي المصري " وجيه غالي " " بيرة في نادي البلياردو"، ذلك العمل الذي إحتاج نحو 43 عاما كي تتصالح معه اللغة العربية ليظهر أخيرا في ترجمة عربية من إصدار دار العالم الثالث بالقاهرة ، ولمن لا يعرف وجيه غالي فهو أبن أسرة أرستقراطية قبطية ذو ثقافة إنجليزية ، عاش فترة زهو الأفكار الإشتراكية نهاية الأربعينيات وإرتبط بفتاة يهودية مصرية ماركسية ، لكنه سرعان ما هاجر إلي إنجلترا بداية الستينيات ليكتب واحدة من أهم الروايات – إن لم تكن الأهم – في نقد ثورة يوليو بالغة الإنجليزية ، ويكون أول مصري تطبع له مطبوعات بنجوين الشهيرة عمله ، بمعني آخر نحن أمام نموذج كامل لمتهم بالعمالة علي النمط الستيني وحتي الآن ، فوضاوي، برجوازي، قبطي ماركسي، يحب يهودية ماركسية، ويكتب بلغة أجنبية، و أخيرا يزور إسرائيل، وما يتبقي له كي نضعه في هولوكست الجماعة المصرية أن يكون زنجيا مثلا ،وأزمة "بيرة في نادي البلياردو " الحقيقية والتي دفعت ناقدا عرف بماركسيته كغالي شكري إلي إتهام كاتبها بالعمالة و العمل لصالح دولة إسرائيل ، أنها رواية صادمة بكل المعايير ، علي المستوي النقدي الذي وعلي مايبدو لم يكن ليستسيغ في هذه اللحظة المبكرة شخصية البطل الضد كما قدمها في شخصية "رام " ،أو ببناءها المدهش المنافي لطبيعة السرد الروائي التقليدي في هذا الوقت ، أو بلهجتها الساخرة والعبثية من كافة أقانيم الإيدولوجيا الفكرية والأدبية السائدة خلال تلك الفترة ، أو بمعني أدق أزمة هذه الرواية أنها مبتكرة وحداثية ومفارقة بالكامل لزمن أبداعها ، ثم هي بعد ذلك كله – وربما قبله- رواية مكتوبة بلغة إستعمارية ، تستفز الحساسية القومية والسياسية علي أكثر من صعيد ، رواية تفضح – دون إدعاء أو قصد- وهم التحولات الطبقية التي يزايد بها دراويش الثورة ، حيث عائلة البطل رام القبطية الثرية لم تخدشها الثورة إلا كبريائها الطبقي الإستعراضي بينما بقت مقدراتها الإقتصادية – ومقدرات كل الطبقة من خلفها – مستقرة ،ليس كما إختصرها فيلم" رد قلبي" بهروب الباشا من السراي أو ما تجرأعليه محفوظ لاحقا فأسكن الباشا بانسيون "ميرامار" الفقير ، أنهم كما هم وكما ظلوا دائما يتحركون بين نادي الجزيرة وبار جروبي ومحلات شراء البضائع المهربة المستوردة بينما زاد طبقتهم حضور الضباط الأحرار في كافة التفاصيل ، لا كأعداء طبقيين بل كشركاء في نهب نفس الوطن ،كما تقدم الرواية عالما قل أن تراه في الأدب المصري لقاهرة مابعد الثورة وقد إختل طابعها الكوزموبوليتاني قليلا دون أن ينهار بالكامل، إستبدال البرجوازية الإنجليزية القديمة ببعض الإكسسوار الأمريكي الصاعد ، ثم أخيرا السخرية من كل شيئ ، رام الصعلوك المختال بثقافته الإنجليزية في قاع هرم عائلة غنية يمثل هو وأمه رديفها الفقير ، المتنطع والمقامر السكير علي حساب أصدقاءه ، الساخر من الإنجليز في إنجلترا ، الساخر من الأقباط في مصر ، المزدوج الإنتماء لمصر وإنجلترا في نفس الوقت ، المتهكم الائم علي ثورية صديقه فونت وحبيبته إدنا ، المدافع عن ناصر أمام تبجح عائلته وشيفونية التعالي الإستعماري لأصدقاءه الإنجليز، الذي يحب بهزيان طفولي ويتزوج في النهاية بإنتهازية من فتاة تافهة غنية كي يجد من ينفق عليه وعلي أمه ، حتي الماركسية لم تسلم من سخريته وهو يتذكر ما فعلته الستالينية المباركة بأبناءها في بولندا،حتي إسرائيل المتهم بالعمالة لها يظهر عبر أكثر من مفصل تحليله المبدئي لها كدولة عنصرية ذبحت الفلسطنيين ، بل أنه عندما يناقش حبيبته اليهودية المجلودة علي يد ضابط شرطة طارحا عليها سفرها لإسرائيل ترفض الأخيرة مؤكدا أنها مصرية ، بل وعندما تسافر إلي إسرائيل سرا لزيارة زوجها المقعد تعود لتستكمل حياتها في مصر ، بمعني آخر لم يترك " رام " أو وجيه غالي- كما يحب خالطوا السير الأدبية بالسير الحياتية - منفذا لمتحسسي بطحات العروبة والقومية والطبقية والشيفونية الوطنية ، أو ربما ولأنه ضرب جميع الأعراف المستهلكة لكل هؤلاء إنصبت عليه اللعنة من الجميع ، يحرض عليه غالي شكري متحسسا ندبة موقف الماركسيين المصريين المبدئي من قضية تقسيم فلسطين ، وإنبهار تيار بالكامل بمشاعية العمل في الكيبوستات وقد مرت الخدعة علي الإتحاد السوفيتي الأم لنحو عشر سنوات ، ثم هو يفتح الجرح الغائر الذي لم ينغلق حين يربط الماركسية باليهودية بالحب وقد خرج أفذاذ الحركة الشيوعية المصريية الثانية من معتقلات عبد الناصر ناكرين تلك الحقيقة آملين مشاركة الراعي الصالح الذي جلدهم لسنوات في مشروعه الوطني الإشتراكي النبيل ،لكن ايضا خلف كل ذلك الهدم للتابوهات ، كان هناك ذلك الإحساس بعبثية الطريق الذي إختطه الثوار لهزيمة أنفسهم ، فرام العدمي في بحثه المحموم عن معني لحياته ، لإنتماءه ، لوطنه ، يكشف أكثر مما يجب عورات المجتمع الجديد الذي لايدري أنه ذاهب لا محالة لإنتحار جماعي، يقولها رام ولا يقولها في آن ، تشعر بها تلك النكسة القادمة بين السطور ، تتمناها كي تصحو القطعان من نومها العميق ،
ولا يخصك في هذا التوقيت وبعد أن تقرأ هذا العالم الساحر والجديد أن يكون رام أو غالي قد سافر إلي إسرائيل وكتب عنها في الصنداي تايمز كما إدعي غالي شكري ، أو أن يكون قد مات منتحرا ووحيدا عام 1969 في لندن – وإن يبدو رام أو غالي الذي بتنا نعرفه متوافقا مع هذه الدراما العنيفة – ، لكنك ستتشكك لا محالة في هذا الإيحاء الإشتباهي الذي تركه غالي شكري عندما قرن نجاح الرواية وطباعتها أكثر من مرة لمجرد إحتواء غلافها في نسختها الإنجليزية علي تنويه بأن كاتبها كان من أشجع المثقفين الذين سافروا إلي إسرائيل ، فأي قارئ يجيد فقط القراءة سيعلم مواقف غالي الحقيقية من إسرائيل وغيرها ،بل سيعلم موقفه حتي ممن كتب هذه الجملة الرخيصة علي الغلاف ، وسيعلم كذلك أي سحر غامض تغاضت الكتابة المصرية لنحو نصف قرن عن إكتشافه في ذلك الجانب الأخر من الثورة الذي ما بات يعنينا فيه بحق أن تكون "إنجي " قد تزوجت " أبن الجنابني " ، فما لايعرفه الجميع أن مجمل إستعارتنا عن تلك الأيام الذهبية لابد أن يخضع لكثير من الشك ، فالعين لم ولن ترتفع يوما عن الحاجب .