سيبونى اتوه

كائنا ما كان ألا أوجد كان هو الأفضل

الاثنين، يناير ٠٨، ٢٠٠٧

من يعرف أسامة الدناصوري؟


من يعرف أسامة الديناصوري؟
عباس بيضون
من وقت ليس بعيداً أرسل لي أسامة الديناصوري نصا للنشر. لا أعرف ما الذي دعاه الى ذلك. لم يكن ذلك من عادته ولا عادتي، أسامة الذي لا أعرف أين يكون وإن كنت أعرف دائما أني سأجده. ويأتي ويذهب كأنه لم يأت ولم يذهب. ولا أصدق ان هذا هو وأن هذا هو المريض نفسه الذي يغسل كلاه ثلاث مرات أو أربع في الأسبوع. وان هذا هو الشاعر نفسه الذي يبقى شاعرا كتب أو لم يكتب، ولفرط ما يتأخر عن الكتابة تنسى أنه فعلها ذات مرة أو مرتين؟ ولا تعرف اذا كان ما قرأته يستحق اسم أسامة الديناصوري أو لا يستحقه، ثم تنتبه لغرابة أن يكون لامرئ هذا الاسم وان يضعه على ديوان عنوانه «حراشف الجهل»، ولا تفهم عندئذ اذا كان الاسم طفا على العنوان ذي الحراشف أو طفا العنوان على الاسم الديناصوري. ولا تصدق في النهاية ان هذا الاسم لهذا الرجل وان هذا الرجل لهذا الاسم. ثم انك لا تعرف لماذا للمريض هذا الوجه الذي يكاد ان يكون وسيما، أو هو وسيم لكنك لست بصدد وسامته، لا تلاحظها لكنك تتذكر الآن ان لأسامة وجهاً مستوياً، وان لا عوج فيه ولا اختلال، وهذه ليست في الغالب سمة الوجوه. تتذكر ايضا الآن، الآن ليس قبل، ان له عينين زرقاوين وتسأل نفسك الآن: أوصل الأمر الى هذا الحد. هل ان فعلا عينيك زرقاوين. أم انك تختل وتفكر في شخص آخر؟ لكن اسامة مع مرضه وعينيه الزرقاوين وبشعره غير المنظوم شخص آخر بالتأكيد. وتبدأ أنت تحبه وتقدره قبل أن تراه أو تقرأه. فلأمر ما، أسامة الديناصوري رجل لا خلاف عليه في وسط عامر بالخلافات. إيمان وأحمد ومحمد والجميع يودون أسامة ولا بد أن توده أنت كذلك. وتفهم أن الأمر ليس في مرضه رغم انه قد يكون في مرضه. ان أسامة لا بد وجد لهذا المرض بعداً آخر، وانك حين تفكر في مرض اسامة تفكر في هيئته وشعره، الذي كتب، وأهم من ذلك شعره الذي لم يكتب لكنه تحقق بالتأكيد على نحو ما. اذ يخطر ان كل ما شاب اسامة جاءه من الشعر، أو يخطر ان اسامة لا يحتاج الى كتاب ليكون شاعرا. وتتذكر، لكن ماذا تتذكر في رجل قدمه لك الغياب، ماذا تعرف عن رجل قدمه لك المجهول: عينين زرقاوين وثنية في الذقن وابتسامة واهنة وشيئا أبعد من ذلك، نظرة لا تحد وفكرة لا تدرك وشعراً غير منظور. أرسل لي اسامة نصاً. كان عليّ ان أخاف، لكن من يؤكد ان اسامة أرسله فعلا. من يؤكد ان اسامة يفعل أكثر من تسمية هذا الشيء سفرا وبتسمية هذا الشيء عالما وتسمية ذلك الشيء حقيقة. من يؤكد ان اسامة الذي مر دائما بين عالمين كان موجودا حقا في احدهما. أم انه كان يختفي في احدهما عن الآخر، لعله الآن مجرد اختفاء. ثم تنتظر ان يقدمه لنا الغياب والاختفاء من جديد. لا أذكر المرة الأخيرة التي شاهدت فيها اسامة الديناصوري لكن هل لأسامة مرة أولى أو مرة أخيرة، ما دام سؤالنا الاول عن موته، عن صبره على مرضه وهو يرد بأن يقول شيئا عن حياته، يبتسم ويقول ان الأمر ليس شيئا، انه عادي قبيل وفاته. فكر اسامة ايضا في حياته. في هذا الشيء العادي والعادي جدا الذي صنعه، كتب «مذكرات العادي». كان يسمي الموت هكذا، يمدده مكانه على السرير ويتركه يغسل دمه. فيما ينتظر هو في الخارج. كان بورخس يقول نسيني الموت. هو الآخر سلم الموت عماه وعصاه وجعله يتدحرج أمامه. كان اسامة متأكدا من أن الموت نسيه وفي لحظة ضجر كبيرة أمسكه من أذنه ووضعه في التابوت.