سيبونى اتوه

كائنا ما كان ألا أوجد كان هو الأفضل

الجمعة، ديسمبر ٠١، ٢٠٠٦

استعراض فحولة دولة في مسافة 150 متراً


من أين خرج هؤلاء فجر يوم الخميس الماضي؟ خرجوا علي الأرجح من معسكراتهم البعيدة في ضاحية طرة بجوار السجن الشهير، أو ربما ازدحم بهم طريق محور 26 يوليو وهم محشورين في عربة العمليات الخضراء الكبيرة، من المتوقع أيضا أن يكون الضابط المسؤول قد أهان أمهات المئات منهم في طابور جمع الجنود فجرا، فخرجوا عن بكرة أبيهم للإنتقام ممن كانوا سببا في إيقاظهم فجرا ليتفسخوا في شمس قارعة الطريق لمدة لاتقل عن الخمسة عشر ساعة، هم لايعرفون من هم القضاة الذين سببوا هذا التعكير لمزاج البهوات منذ ليلة الأمس، هم لايترجلون مثلا في إجازاتهم النادرة أمام فاترينات محلات الملابس في شارع عبد الخالق ثروت الذي سيحاصرون جنباته بعد ساعات، هم لايعرفون في وجوه المتضامنين مع القضاة علي الرصيف وخلف الحاجز أي عزيز أو قريب، ولاهم كذلك تلقوا من رؤسائهم أي دعوة أيديولوجية تصف العشرات التي تحتجز خلف الحاجز بأنهم مثلا أعداء الوطن كما لقنوا أحمد سبع الليل في فيلم البريء، كل ما يعرفونه أن هؤلاء المتجمهرون هم السبب في لباس كل منهم الأسود الملهب وفي إعتمارهم تلك الخوزات الثقيلة في عز الشمس التي تذكرهم ببلادهم البعيدة، هؤلاء المتجمهرون هم السبب في سباب لاينقطع حين يؤمرون بالتجمع عند النقاط الملتهبة أمام سلم نقابة الصحفيين أو أمام نادي القضاة، هم لايقرأون الصحف ولم يدخلوا مهمة في يوم بحثا عن حق ضائع، لأنهم ببساطة بلا حقوق، كل ما يحلمون به هو الإنتهاء من حكم الميري الذي يمتد في حالتهم لثلاث سنوات ليعودوا الى قراهم البعيدة كعمال تراحيل، لذا تبدو الضربة بـ"الجملك "الاسود التي يوجهونها بكل وحشية لمتظاهر فعلا يتناسب طرديا مع إنهاء مهمتهم في يوم طويل سيقضونه داخل الأقفاص دون شربة ماء أو كسرة خبز حتي إتمام مهمة الإجهاز على المتجمهرين، هم أسوأ حالا من رفاقهم الذين يرتدون زيا مدنيا متسلحين بشوم ويركنون في إحدي التقاطعات ليستخدموا ساعة الحسم والمجد، حين يأتي وقت السحل والضرب المنظم لفرق الكاراتيه والتي يأتي أفرادها بعد إختبارات من بين الجنود العاديين للأكثر قسوة وحنكة في إستخدام يده العارية، كما يسمح لهم الضياط في ساعات الإنتظار ببعض الإرتخاء النظامي فيمارسون تسليتهم في معاكسة النسوة في الطرقات وعلى النواصي، وتتمثل مكافأتهم الكبرى حين تحتوي التظاهرات المطلوب التعامل معها علي فتيات حاسرات الرأس تداعب وجوههم الطرية أحلام الشبق الجنسي في ليالي الخدمة العسكرية الطويلة، هؤلاء الفتيات وبأمر من البيه الضابط يتحولن الى فرائس للعبث الجنسي لهم في لحظات الحسم، يأمره الضابط أن إفعل كل ما يحلو لك دون إغتصاب فعلي بجسد الضحية نهارا جهارا كمكافأة لك علي إلتزامك بالضرب في الأماكن الحساسة للمتظاهرين الرجال، هكذا يتم تدريبهم في معسكرات الأمن المركزي البعيدة عن قراهم، يحكي أبن عمي الذي كان جنديا لثلاث سنوات بجيش الأمن المركزي أوائل التسعينات، أن الضباط كانو يوقظونهم ليلا في حفل تعذيب جماعي ويقومون بتغطيسهم في مياه باردة ويشتمونهم بأمهاتهم وينادونهم بأسماء أمهاتهم تحت ضرب وحشي من قدماء الخدمة لكسر نخوتهم ولتتمرغ جباه أبناء الفلاحين والصعايدة تحت أحذية ضباط كل مهمتهم الوصول بكائنات إنسانية كل جريمتها أنها لم تكمل تعليمها النظامي للوصول بهم الى ما يشبه الحيوانات الضارية التي تعبد النظام ممثلا في حذاء الضابط، أبن العم الذي عينوه بعد إلتزامه العسكري غفيرا بنقطة شرطة قريتنا البعيدة أطلق النار علي يده من سلاحه الميري بعد أن أهانه الضابط وشتمه بأمه، قال لي وهو ممدد في عنبر بمستشفي الشرطة أنه كاد أن يطلق النار علي الضابط لكن خوفه علي أبناءه القصر دفعه لتفريغ خرطوش بندقيته في كفه كظما لغيظه وبحثا عن رفد طبي من الخدمة فبقراته أولي به من خدمة الدرك، هو يعرف جيدا أن ضباط الأمن المركزي يتم إختيارهم من فشلة وراسبي كلية الشرطة وغالبا ما يكونون ذوي سجلات محاكمات أخلاقية مشينة ولايملكون نفوذا لوضعهم بخدمات إدارات مثل السياحة أو المرور، يلعب سجلهم الدراسي السيئ وتعاملاتهم مع الجمهور بطريقة عنيفة معيارا للإلتحاقهم بالأمن المركزي، يأتمر أبن العم ورفاقه في موقعة وسط العاصمة بأمرة ضباطهم الذين يختفون غالبا خلف زي أسود مشدود ونظارة ريبان في مشهد يذكرك بأباطرة الحرب الصرب، لكنهم في ميدان المعركة المشؤوم ليوم الخميس الأسود يعرفون أن دورهم ينتهي عند حدود المناورات الكبيرة، فهم في هيراركية المشهد الأمني لشوارع مغلقة من أجل حفنة متظاهرين يأتمرون عبر اللاسلكي بأمر ضباط مباحث أمن الدولة، وهم الضباط الذين يتولون بملابسهم المدنية تحديد الضحايا المطلوب تأديبها وإعتقالها وغالبا يكونون أقرب مايكون من المتظاهرين وربما يبادلونهم الإبتسام المستفز، لكنهم ملوك المناورة قادرين علي تطويق المتظاهرين برجالهم من الأفراد المدنيين الذين سرعان ما تفتح لهم ثغرة بين جنود الأمن المركزي لإصطياد طريدتهم وفصله عن مجموعة المتظاهرين حيث أقرب رصيف جاهز لإستيفاء المشهد باقي إكسسواره من سحل وضرب ثم تندفع سيارة في الغالب مدنية وتخص أحد الضباط لحمل الضحية ـ أحيانا مايوقفون تاكسي شارد إبتلاه الحظ العاثر بالمرور من جانب المعركة ـ حتي عربة الترحيلات الخضراء الكبيرة والتي تنتظر عند إحدي النواصي، من أمام سلم العربة يتم تجريد الضحية من أوراقه الشخصية تحت الضرب وكذلك جهازه الخلوي لتتسلمه الوحوش الضارية داخل العربة الكبيرة فيما يسمى حفلة التشريفة الأولى، الأمر يختلف في حالات الفتيات والنساء ولنورد هنا شهادة عبير العسكري الصحفية بجريدة الدستور والتي نشرتها جريدة المصري اليوم علي صدر صفحتها الأولي يوم السبت الماضي: عبير خرجت صباح يوم 01 مايو الحالي مبكراً من منزلها بالمعادي، متجهة الى نادي القضاة بوسط العاصمة لتغطية محاكمة المستشارين مكي والبسطاويسي، ومظاهرات التضامن معهما، وبمجرد أن نزلت من التاكسي بشارع عبد الخالق ثروت.. فوجئت بعدد من الأشخاص يحيطون بها ويكممون فمها، ويجرونها الى "ميكروباص" بالشارع. وداخل "الميكروباص" بدأت حملة تأديب، بالضرب والسب بأحط الألفاظ، ثم تحرك الميكروباص في اتجاه مكان خاص بالشرطة في شارع رمسيس، وهناك واصلوا حملة التأديب، دون أن يلتفتوا الى توسلاتها لهم بأنها صحفية، بل كان الرد استمرار السب والإهانات. وقالت عبير لـ"المصري اليوم": "بعد فاصل من الضرب والإهانة، تم نقلي الى قسم السيدة زينب، وهناك وضعوني في إحدي الغرف، وقال لي أحد الضباط إنهم سيفعلون بي نفس الشيء الذي فعلوه مع أسماء ورشا وندي، في ذات الغرفة، وأنني لن أري النور، لأن أحداً لم يرني أثناء القبض علي، و"ماليش دية"، ثم قال للمخبرين: "انتوا مش شايفين شغلكوا ليه.. بعدها بدأوا في ضربي وتمزيق ملابسي وتعرية جسدي". واستمرت حفلة هتك عرض عبير حتي رن تليفونها المحمول فأسرع رجال الشرطة بانتزاعه من حقيبتها، وأغلقوه، وبعد يوم طويل، وبعد انتهاء حصار القاهرة، قرر الضباط إلقاءها في الشارع، بعد تهديدها بألا تظهر في وسط البلد مرة أخرى. قالت لهم: أُريد أن أركب المترو، فطلب أحد الضباط من رجاله اصطحابها حتي الكورنيش لتذهب الى منزلها، وخرجت معهم وهي عارية، وفي الطريق أوسعوها ضرباً وشتماً وبصقاً، وعندما يحاول أحد المارة أن يتدخل، تكون الإجابة دي بنت مسجلة آداب. وتختتم عبير أقوالها بأنها حتي عندما حاولت الاحتماء بأحد المحال التجارية، وقام صاحبه بإعطائها شيئا تستر به نفسها، قام رجال الشرطة بتهديده ليطردها، وخرجت من المحل لتجلس خلف كشك كهرباء حتي حضر زملاؤها ونقلوها في تاكسي لمقر الجريدة.الصورة ربما تحتاج إيضاحا من نوع آخر، فأجهزة الأمن المصري عرفت تقسيما تاريخيا للعمل يسمح يمرونة تصنيفية تتسع لتستوعب أطياف المشهد السياسي بتنويعاته، عرف عن تلك الأجهزة عنفها الشديد في المكاتب المختصة بشؤون الإسلاميين خلال فترة التسعينات، حيث إستخدام العنف الدموي كان ممنهجا في مواجهة معارضة مسلحة، فيما كان الأمر مختلفا مع باقي التيارات السياسية، اليسار والناصريون عانوا من تعذيب أقل وطأة في مكاتب تختص بالمعارضة السلمية، أتذكر قول الأصدقاء عن ضباط مباحث أمن الدولة في شعبة مكافحة الناصرية حيث الضابط يستقبلك بعد حفلة التشريفة الكبري بسيجارة سوير كيلوباترا مبديا إعتزاره وخلفه تتراص في مكتبة صغيرة أعمال ساطع الحصري والميثاق لجمال عبد الناصر، فيما يطلب للمعتقل قهوة سوداء ويتحول الموقف الى مقابلة روتينية بين أبناء حقل تخصصي واحد، الجلاد يعرف أيديولوجيا ضحيته والضحية تثق في ثقافة جلاديها، خلاف أيديولوجي واضح بين وجهة نظر سياسية وآلة قمع بيروقراطية متسقة مع تخصصها، لكن الأمر تحول مع نهاية المعركة في صعيد مصر وعودة كوادر دموية مكللة بالغار من المواجهة مع الإسلاميين الى العمل في شعب الطلاب والتيارات السياسية السلمية ومع إزدياد الحس الأمني لمؤسسات النظام في ظل إنعدام مشروع أيديولوجي لمواجهة عدو ما، أدي ذلك الى دخول القيادات الأكثر دموية في صلب الإحتجاجات السلمية، ومع ميل منتظم لدي المؤسسة الأمنية لإستغلال نفوذها وتأكيد قدراتها بات من الطبيعي ذلك الميل للتنكيل بأي مخالف للرأي مع تقديم نماذج متقنة من الإستعراض في مواجهة الجميع، وعلي الرغم من أن الإستعراض الأمني يلقى سخرية من الرأي العام حين يحين وقت المواجهة الحقيقية مع أنفار من فلول الحركات الإسلامية الجديدة، فإن فاتورة دفع ثمن الثقة المهتزة تبدو مضاعفة مع قيادات باتت تتفاخر بإستحلالها الذكوري الوقح لأجساد المتظاهرات، فليس بعيد عن تلك السياسة الأمنية تجربتها في إذلال كوادر الحركة الإسلامية بإستهداف نساؤهم، لكن الأمر الملفت للإنتباه هو ذلك الإمعان في ممارسة لا أخلاقية بإستهداف ناشطات سلميات بذلك التحرش في الشوارع المفتوحة، هناك ثائر ذكوري مضمر يتناسب مع رجعية ومحافظة تلك القيادات على المستوى الشخصي، ليس من الغريب نهائيا أن تجد قيادة أمنية تبدو على ملامحها علامات التدين، وهي ترى في ذلك الإنتقام من فتيات خرجن في جرأة للتظاهر، تمازج سهل فهم تناقضاته، إخلاص طفيلي للنظام مظلل بمسحة رجعية إسلامية وذكورة مهزومة لاتجد إنتصاريتها إلا في مشاهدة التحرش والإعتداء الجنسي على فتاة في الطريق العام، فالضابط الذي يصر على الإستعراض بصحفية عارية في الشوارع يوجه رسالته للجميع، هذا المجتمع مستهدف بالإذلال أيا كانت شرائحه وطبقاته، وممارسة السياسة ممنوعة على الجميع وخاصة النساء وإلا الجرسة وتشبيهها بفتيات الليل، بالطبع يبدو منطقيا ألا يتوقف نفر للدفاع عن فتاة ليل تضرب ممزقة الملابس في ميدان عام، بل ربما يشارك البعض في حماية مجتمع أخلاقي متناقض في ضربها، ذلك الإمعان في المهانة طبيعي من نظام بات هاجسه الوحيد البقاء تحت أي شرط، نظام فقد القدرة على إنتاج مبررات للقهر فأصبح يميل الى سادية مفرطة في التعامل مع الجميع، خرج الآلآف من جنود الأمن المركزي صباح يوم الخميس من ثكناتهم وعادوا وهم يؤرجحون عصيهم الخشبية ويتثاءبون من ملل إنتظار بداية المعركة وسرعة حسمها النهائي في لحظات، وعاد الضباط المتفاخرون بعضلاتهم الذكورية ليردوا علي هاتف إحدي المعتقلات الذي تركوه مفتوحا ليسمعوا أباها صراخ إبنته، وبقي في خلفية المشهد ملايين من الجهلة الذين يرون في المظاهرات تعطيل لمصالحهم بعد أن أغلق الأمن شوارع بأكملها، وفي الصباح الباكر ستخرج الأهرام بعناوين تؤكد أن قلة مأجورة حاولت التظاهر وتعطيل المرور فتصدت لها قوات الأمن.