سيبونى اتوه

كائنا ما كان ألا أوجد كان هو الأفضل

السبت، نوفمبر ٢٤، ٢٠٠٧

صحفيو مصر بين بؤس السياسة وبؤس المهنة


مكرم ورفقاه ....ينقلون المعركة مرة أخري من السلم إلي الرصيف
هاني درويشأفرزت نتائج إنتخابات مجلس نقابة الصحفيين المصريين الأخيرة عدة ملامح لأزمة النخب المجتمعية التي تصدرت حتي فترة قريبة صدارة مشهد الصدام مع الدولة ، فالصحفيون المصريون البالغ إجمالي عددهم 5100 صحفي كانوا الأعلي صوتا في فترة الحراك السياسي الذي شهدته مصر في الأعوام الثلاثة الأخيرة ، وبدي مشهد إنتصارهم في دورتين متتاليتين علي قوائم الدولة ونقيبها بشارة تأسيسية لعلاقة جديدة بين الدولة و النقابات المهنية المغيبة إما بالتجميد كما حال نقابة المهندسين ،أو بالتهميش كما نقابة الاطباء ، أو التضييق كما الحال مع نقابة المحامين ، وأستبشر الجميع بإنتصار جلال عارف وتشكيلة مجلسه ذات الغالبية المعارضة في أن تلعب نقابة الصحفيين دور الرافعة التي بدورها ستدفع للأمام كسر سيطرة الدولة علي حيز المجتمع المدني ، خاصة وان تردي الأوضاع المالية لغني النقابات المصرية جعل من تسييس الفضاء المطلبي علكة في أفواه المجلسين السابقين ، فحدث إستبدال عنيف لفكرة النضال النقابي بفكرة النضال الواسع تحت شعار " ثوريون بلا ثورة علي سلم النقابة " ، وأصبح سلم المبني الفخم الذي يوشي بحجم فساد عهود الولاية الحكومية علي النقابة أقرب إلي ساحة إفتراضية لكافة أشكال الإحتجاج من جانب كل الحركات الإحتجاجية التي شهدتها مصر في الفترة الماضية ، بمعني آخر أن فضاء الإحتجاجات التي بدأت بجغرافيا متسعة –كالميادين الكبري- إنتهت بنحو عشرين سلمة من الجرانيت الأسود أمام النقابة أدمن خلالها المحتجون في منطقة دورهم الإحتجاجي علي حدود مراقبة كم من كاميرات الفضائيات الشهيرة ، وتبعا لتهافت ما أنتهت إليه معظم الحركات الإحتجاجية من خمود وتفتت – يمكن النظر هنا لما آلت إليه حركة كفاية مثلا- إنفض الزخم ليعاود الصحفيون المصريون حساباتهم المبنية علي المكسب والخسارة في معركتهم مع الدولة ، فتحت شعار " أحلي من الشرف مفيش " تمرد الصحفيون وأتوا في المجلسين السابقين بنقيب معارض ، لكن الأخير لم تبن له كرامة سواء في مواقف الصدام الحقيقة مع الدولة أو في خلخلة بنية العلاقة المشوهة للمهنة ومشتغليها ، ففي عصر جلال عارف عرف الصحفيون لأول مرة احكام الحبس بالجملة دون أن يدفع ذلك الثوريون النقابيون إلي التصعيد ضد الدولة بعقد الجمعية العمومية وحشد الصحفيون فعليا لواجهة الحقيقة ، بل وقبل ذلك وتحت ضربات المصالح المتعارضة لثوريو مجلس النقابة إنفض المجلس غلي ثلاث كتل رئيسية ، الأولي كتلة الإخوان ببرجماتيهم التاريخية التي حافظت علي تمثيلهم داخل لجان المجلس الحساسة – كلجنة الحريات ولجنة الصحة - ، والثانية تلك التشكيلة من الناصرييين والقوميين بدرجات طيف يسارية واضحة ، والثالث أعضاء موالون للدولة كانت كل مهمتهم خلال المجلسين تسجيل المواقف علي المجموعة المسيسية وتفعيل نشاطهم الخدمي الذي سرعان ما جنوا أرباحه لاحقا ، ووسط الفريق الثاني والذي احدث بدخوله لأول مرة تلك النكهة الحنجورية المسيسة شب حريق تضارب المصالح علي قضايا سؤ إستخدام السلطة فتلوثت سمعة الجميع – حين توسط مثلا عضو المجلس الناصري الشاب لمنح العضوية لأبنة صاحب الجريدة الخاصة التي يعمل بها وهي لاتعمل أساسا بمهنة الصحافة -، ونحن هنا نتحدث عن مناخ عام ربما يري فيه كثير من جموع الصحافيين أن ماتم إقحام النقابة فيه تم لصالح جهات حزبية وسياسية بلا بوصلة واحدة ، ومشهد عضو المجلس الإخواني محمد عبد الفدوس بميكرفونه الذي لايفرق معه نوع القضية طالما هناك شتيمة للنظام كان أبلغ دليل علي ما أصاب النقابة من " غواية فارغة " بالتظاهر ، دون فائدة واضحة – اللهم طق الحنك كما يقول اللبنانيون -ودون أن يشارك أو يوافق جموع الصحفيون علي ذلك ، أصبح سلم النقابة ككقاعاتها مؤجر لأي معارض لأي قضية ،لدرجة أن نقابي عمالي فاسد وموالي لأحد الوزراء إحتله ببلطجيته لضرب نقابي يساري ، لكن أكثر ما ضر الصحافيون من مجلس " الثورة " السابق كان تناغمه الفريد مع مصالح المؤسسات الصحفية الكبيرة ومجالس إداراتها ، وهو المعني أساسا وفقا لبرنامجه بفك قيود إرتباط النقابة بمؤسسات الدولة ، لكن الواضح أن ماتمثله تلك المؤسسات- تحديدا الأهرام والأخبار – من كتلة تصويتية كبيرة داخل الجمعية العمومية هو ما دفع كثيرون من ثوار طق الحنك إلي موالة بعضا من خرائط الفساد المؤسسي في تلك المؤسسات ، فكان مجلس "الطيب " جلال عارف أقرب لمن إرتدي بدلة واسعة ومشي خجلا من نفسه ، مجلس أقرب إلي نظرية بقاء الوضع علي ماهو عليه افضل من تدهوره ، وبينما خلت الكتل المعارضة الكبيرة من نقيب ذو شخصية كاريزمية ، تقدم مكرم محمد أحمد بهدؤ نحو منصب النقيب ، لم تدعمه الدولة في البداية وظل ينتظر وينتظر إشارتها ، فيما الدولة فعليا لاتملك مرشحا قويا بعد ان ضحت في حركة تغيير رؤساء مجلس مؤسساتها الكبيرة بآخر القيادات ذات المهابة والنفوذ والمال، راقبت الدولة كثيرا الصحفيون عن بعد ،وأدركت ان السنين العجاف " في زمن جلال عارف" قد شدت بطون جموع الصحفيون جوعا ، لم يقدم جلال عارف إلا بؤس السياسة وبؤس المهنة ، ولم يتبقي من بشائر الثورة إلا إستظلال الصحفيون بمصالحهم الشخصية ، بنفحة الزيادة التي قد تقررها الدولة في اي لحظة لأي مرشح كعظمة الكلاب التي ترميها لتجذب إنوفا أرهقها النباح ،ولم يؤخر الصحفيون الإستجابة ، نضجت المواجهة علي ماء فاتر ، تحدث رجائي عطية " مرشح المعارضة الناصرية واليسارية ضعيف الحضور" بكلام سابقه جلال عارف ، لكن في لحظة إنطفئت فيها الهمم لم يلق آذان صاغية ، وحتي من كانوا حوله كانوا مدركين صعوبة عودة الزمان إلي الوراء ، فيما اعلنها مكرم واضحة " أنا نقيب التفاوض مع الدولة ...ومن يريد نقيب الصدام فقد جني علي نفسه " ، وذلك بعد ان قدم أوراق ثبوتية للنظام بموقفه الباهت من أزمة حبس أربعة من رؤساء التحرير بحجة إشاعة مرض الرئيس ، وهي الأزمة التي وضعت المسمار الأخير في نعش المجلس المنصرم ، وكما يعرف مكرم كذلك كاحد الأعداء التاريخين لسيطرة الإخوان والمسيسين علي النقابة ، عرف سابقا – حين تولي النقيب لدورتين متتاليتين نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات- بمواقفه المهنية الجيدة ، وكل ذلك مع الأخذ في الإعتبار تكوين المجلس الجديد من كبري المؤسسات الصحفية – 4 أهرام ، 3 اخبار – يجعل من المجلس الجديد مجلس الخدمات النقابية الجيدة ، لذا لم يكن غريبا أن تمنح الدولة قبل الإنتخابات وعدا لمكرم –عبر رئيس الوزراء – برفع الأجور 200 جنيه مرة واحدة ، ولنا أن نتخيل قيمة هذه الزيادة علي الصحفي المعين حديثا في مؤسسة كالأخبار والذي يبلغ إجمالي اجره نحو 350 جنيها ( حوالي 70 دولار شهريا ، كما وعد مكرم شباب الصحفيين بمشروع سكني ، وجاء باقي الفائزين في عضوية المجلس من محرري صفحات الخدمات في الجرائد القومية ، كمحرر الإتصالات ومحرر التعليم ومحرر الداخلية ، وهم المحررون الذين يسبحون في محيطات الفساد المؤسسي الكبيرة ، بمعني آخر فقد صرخت الجماعة الصحفية صرخة صعايك السينما المصرية " عض قلبي ولا تعض رغيفي " وأدرك الجميع أن النضال لم يحفظ الكرامة الثورية خاصة أنه لانبل لمهنة فقيرة إقتصاديا ومهارتيا ، إختار الصحفيون مكرم ورجال لجنة الساسات في مجلس سيعيد الكرة إلي ملعب النضال علي الرصيف المقابل لسلم النقابة ، فهل تصدق نبؤة البعض بأن تاريخ النقابة لم يشهد إنجازا واحدا في أي مجلس معارض ، بينما تحققت كل الإنجازات في ظل مجالس الحكومة ؟ ... تاريخيا هذا ما حدث فقد إستطاعت الجمعية العمومية للصحفيين منع تمرير قانون الصحافة المهين منتصف التسعينيات في عهد نقابة إبراهيم نافع الحكومي ، ودخل مكرم بنفسه سجن طرة حين كان نقيبا وأضرب محتجا علي إعتقال صحفيين في أحداث الحديد والصلب نهاية الثمانينيات ، وهو ما يؤكد أن جموع الصحفيون المصريون لا يستعيدون وعيهم إلا تحت مطرق نقيب حكومي، ربما علي عكس الميكانيزم العام للشعب المصري الذي يرزخ لنحو 26 عاما تحت سلطة رجل واحد دون أن يسبب ذلك له أي غضاضة .