سيبونى اتوه

كائنا ما كان ألا أوجد كان هو الأفضل

السبت، يونيو ٠٧، ٢٠٠٨

المحلة


مصر تدخل نادي الغضب الضائع

أشباح المعارضة الإلكترونية يهزمون النظام في المحلة

هاني درويش

كنا إجمالا نتشكك في إمكانية مثل هذا اليوم، أن يأتي الأحد المنتظر بأي مفاجأت، فدعوي في فضاء الإنترنت ليست كافية نهائيا للقياس، ولا حتي موعد إضراب مصانع النسيج بالمحلة كان حدثا للتوقع، فآخر إضرابات المصنع الذي كان جزءا من تراث الرأسمالية المصرية حين اسسه رائدها طلعت حرب اعطي المراقبون إحساسا بعقم محاولة الرهان عليه وحده خاصة مع ما إنتهي إليه من قائمة وعود ومكاسب مؤجلة منذ شهور، أتحدث هنا بسمت مراقب يعاني من دوار سؤ التوقع غالبا، تقليلا لقيمة صافي الهزائم المكررة، وبخبرة من اشبعته السياسة بما لها وما عليها، بسأم من شربوا الكأس مرات سجلنا أسمائنا في الدعوة عبر الفيس بوك، ذلك التسجيل البروتوكولي الذي يحولك إلي رقم في مسيرة إفتراضية مهولة، ولم يخدش هذه الحماسة الفاترة إلا تقرير كتبه صديق عن موقع مواز أسسته مجموعة من شباب الحزب الوطني تحت شعار "لو خرجت في 6 أبريل حتاخد علي قفاك"، كان التهديد ركيكا ومستفزا، والأكثر إستفزازا كانت المبررات التي صاغها نحو 500 شخص لمبايعة جمال مبارك عبر نفس الحساب، المؤكد أن تكنولوجيا الإنترنت هي أقرب في صميم منطقها للمعارضة أكثر من مناسبتها للموالة، سجل في الموقع "الوطني" نحو 500 شخص كتبوا تعليقاتهم بأخطاء لغوية ونحوية تشعرك بأنهم مكلفون بالنفاق في مواقعهم التنظيمية داخل أمانة الشباب بالحزب الوطني، فيما وصل عدد المنضمين لمجموعات الدعوي للإضراب الثلاث نحو 100 ألف شخص في وقت قياسي، كانت الدعوة تتضمن تنويعات من أشكال الإعتراض مثل المكوث في المنازل و عدم شراء السلع إعتراضا علي الأسعار،أو تعليق شارات سوداء في الشرفات، ودعوات للتظاهر في أماكن معينة، كان التنوع في تلك النشاطات الإحتجاجية متوافقا مع إحساس عام بأن لابد من عمل ما، فلم تشهد البلاد في أي لحظة سابقة موجة غلاء كالتي شهدتها في الشهور الماضية، غلاء لايحتاج حساب أجمالي كي تشعر به بل هو غلاء في جميع السلع بشكل أقرب لنظرية الأواني المستطرقة، غلاء تآكلت خلاله دخول شرائح واسعة كانت حتي قريب تنظر لأرقام اجورها الألفية بكثير من الفخر، لكن نفس الغلاء عندما وصل بهزاته الإرتجاعية للطبقات الدنيا سقط شهداء في طوابير الخبز لأول مرة، ونزلت القوات المسلحة المصرية لـبيعه في المحافظات، في مشهد أعاد لذاكرة كثيرين ذكريات حرب الإستنزاف، فما يحدث الآن هو حرب أستنزاف فعلية بعد أن ضمر ضرع الموارد في مقابل سرقة علي المفتوح تمارسها شرائح النخب السياسية والإقتصادية، كانت السماء ملبدة بالغيوم إذن، ولا يتسع هنا ذكر كيف تحول الإضراب المنتظر قبل بدايته إلي موضوع نقاش بين الناس، كانت سيرته تنمو وكأن المصريون جميعا فقدوا شهيتهم لكرة القدم فجأة، او كأنهم توقفوا للحظات عن البسملة والحوقلة في مواجهة أفعال الظلم اليومية العادية، كانوا يوجهون السؤال الصعب :ماذا ستفعل يوم الأحد؟، دون حتي تحديده بزمن، الأحد دون القادم أو بعد القادم مثلا، وكأنه معلوم كنهاية الآحاد، كانت هناك شريحة كبيرة تمارس ذلك التحريض والتكثيف في حشد المتضامنين، فمن لم تعجبه معارضة القمع والإستبداد، أقنعته فكرة عدم شراء السلع ليوم والتغيب عن العمل، وحتي تلك الكتلة الكبيرة الصامتة التي اكتفت بالحديث حوله كانت مجرد متابعتها وإنشغالها به هاجسا مؤرقا لأجهزة الدولة، فمن لم يعلم به بالدعوة لمح معناه في الإجراءات العقابية التي توعدت بها الأجهزة الإدارية من يتغيب في هذا اليوم، اعلن مرسي عطالله رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام أن غياب هذا اليوم يعني الحرمان من حوافز الشهر، وهدد بعد العاشقين لنفاق الأجهزة الأمنية بإبلاغها عن المتغيبين من مرؤسيهم، كان الفزع الذي جابه به النظام كالظل الذي إلتهم صاحبه من شدة الخوف.

جزء هام من عصب الملايين التي لم تخرج يوم الأحد الماضي لم يعلم شيئا عن إضراب عمال المحلة الذي هو منبت مناسبة الإضراب، حيث وسع ثوار الفيس بوك من مشهد إضرابهم معتبرينه يوما للغضب العام، ولأن القوي الداعية للإضراب كانت أقرب للأشباح، تنصلت منه كل القوي السياسية التقليدية المنهكة، كان موقفا أقرب لتعالي المحترفين علي هواة مجهولين، فلم يجذب لفظ الإضراب كالعادة الإخوان وهم لم يوافقوا علي إضراب منذ ثمانين عاما، وتحدث مرشدهم العام ومتحدث الرسمي بأنهم ضد النظام لكنهم لن يشاركوا في إضراب يهز ركائز الدولة، وخرج الكاراكوز اليساري رفعت السعيد مستهولا أن يسير حزبه المخوخ خلف غضب ربما لايحمد عقباه- فالرجل يتشمم رائحة الإخوان في منامته وبما ان الجماهير مـتأسلمة بطبعها سيكون الغضب العشوائي لمصلحة الإخوان-، أما النظام فلم تتحرك شعرة واحدة في رأس قياداته مكتفين بتهديدات المخلب القاسي ممثلا في بيان لوزارة الداخلية يتوعد بحسم وحزم تعامل الأمن مع اي إخلال بالنظام أو تعطيل العمل أو المرور، ثم كان صباح.

أختفي المصريون من الطرقات، وبدت شوارع القاهرة ممتلئة فقط برجال الأمن المركزي وعناصر المباحث الذين قبضوا علي من كان يمسك بالونة في ميدان التحرير او من يرتدي لحظه الأسود تي شرت اسود في الأسكندرية، نام الملايين بالمنازل خوفا أو تضامنا وكلما ظهرت فاعلية الإضراب بخلو شوارع المدن الكبري زاد غضب وحقد رجال الأمن من التلكؤ في الشوارع الخالية، هل يمكن إجبار الناس علي عدم البقاء في المنازل؟ هل تدخل قوات الأمن للمجمعات السكنية لتطرد المواطنين للشارع كي تثبت انه يوم عادي؟ حوصرت قلة من المحامين داخل نقابتهم في وسط العاصمة وتم إلقاء القبض علي المئات في المحافظات من أعضاء حركة كفاية المصممون علي التظاهر ، في المحلة تمت تسوية الأمر في الساعات الأولي بإقناع العمال بعدم الإضراب، ثم كان منتصف النهار حين حانت ساعة تبديل وردية العمل بالمصنع ، وبغباء مستحكم إعتدي الأمن علي بعض المتظاهرين الفرادي فتحولت المحلة إلي ساحة أقرب إلي بغداد وغزة لمدة يومان، إطلاق نار عشوائي وقنابل مسيلة للدموع خرجت بالعمال عن إتفاقهم ليلتحم مشهد المدينة بأكمله في مواجهة الدولة وتدوس الأقدام الغاضبة علي صورة الرئيس في صور وكالات الأنباء، تحولت المحلة إلي كابوس من الغضب، نساء واطفال وشباب يسهرون حول النيران لمواجهة الأمن ليلا بعد قطع الكهرباء عن المدينة ، معارك من شارع لآخر ، مئات المصابين وقتيلين من الأطفال، أفزعت المحلة الجميع وقدمت نموذجا لنوعية الغضب القادم ، فخرج الإخوان خجالي في اليوم الثاني ليعلنوا إنسحابهم من إنتخابات المحليات وقد صدموا أكثر من غيرهم بغضب لم يصبوا زيته ولا فازوا بشرف دمه المراق، فاوض حزب التجمع علي الفتات فإنسحب 7 مرشحين من الحزب الوطني أمامه في دائرة المحلة نفسها وكأنهم يقبلون رشوة كيلو لحم من جثة القتلي الطازجة، سافر رئيس الوزراء ووزيرة القوي العاملة إلي المدينة بسلة رشاوي وأصدر الرئيس قرارا بمنحة خاصة لعمال المحلة و إختصر إعلام الدعاية السوداء خاصته الحديث عن الفئة المندسة والتخريب كالعادة منذ زمن الفراعنة وصولا إلي زعران الجبرتي في العصر المملوكي، ألقي القبض علي المئات من اعضاء حركة كفاية يتقدمهم منسقها العام الأسبق جورج إسحق لأول مرة، كذلك بعض المدونين ومنظمي مجموعات الإضراب علي الفيس بوك، وبقي المتهمون الحقيقيون من الـ100 ألف عضوا يخرجون السنتهم للجميع ويتوعدون الرئيس نفسه بإضراب أكبر في ذكري ميلاده الثمانين التي تحل في الرابع من مايو المقبل.

ماذا يفعل النظام في معركته مع اشباح إلكترونية ؟ سؤال نتمني ألا يجيب عليه الأمن المصري قريبا وقد قدم لنا في برنامج البيت بيتك تقريرا عن القبض علي المدعو فيس بوك امين تنظيم المجموعة المندسة عنكبوتيا علي الوطن ، أو أن يضطر لتسجيل عضوية لمليون جندي امن مركزي علي مجموعة جديدة يسميها "مصر الأمن والأمان في دولة السيد الرئيس الهمام " ...بشرط ان يتعلموا الإملاء قبل ملئ البيانات كاملة.