سيبونى اتوه

كائنا ما كان ألا أوجد كان هو الأفضل

السبت، يونيو ٠٧، ٢٠٠٨

لله حزب


لله حزب في لبنان ..وللحزب في مصر سيادة الصحفي إبراهيم عيسي

هاني درويش

لله حزب....هكذا عنون إبراهيم عيسي رئيس تحرير جريدة الدستور المصرية اليومية مقاله الإفتتاحي في أتون اليوم الرابع لإحتلال بيروت، كتبها هكذا ولم يكملها، فوفقا للتناص الشهير كان لابد أن يتبع جملته بكلمة "يحميه"، لكن ابراهيم الشهير بتحالف جريدته مع الإخوان المسلمين مقابل تكليف إلهي من المرشد العام للجماعة بشراء أعضاءها لنحو 50 ألف نسخة يوميا أدرك أن "يحميه" ربما تخسره الإخوان –الحليف الأقرب- لمصلحة الحليف الأبعد –حزب الله-، في حين أن بيزنسه الضخم مع الحزب الإلهي أوقفته العناية الإلهية حين أختطفت الراحل جوزيف سماحة الذي أوصي بتوئمة بين "الأخبار" و"الدستور" قبل وفاته سرعان ما نساها السيد "الأمين" علي الحزب والجريدة، حالة إبراهيم عيسي تحديدا تمثل نموذجا فارقا لتركيبة أفرزتها ممارسات النظام الديكتاتورية حين تصنع كاركتر يبدو في فساده وإفساده لمفهوم المعارضة مسخا كارتونيا يصلح لإخراج اللسان لكل من تسول له نفسه أن يرتجي أملا أو تغييرا حقيقيا في مصر، وفقا لنظرية "بكرة تشوف ياناكر خيري زماني من زمن غيري" إذا ماقدر لأمثال ابراهيم الوصول للحكم، وأزمة ابراهيم عيسي في معالجته الإنتصارية لحزب الله تعكس تلك المعادلة المصرية الشهيرة للتعاطي عن بعد مع النضال، معادلة أورثها الإحباط اليساري والقومي من التغيير ومفادها ذلك التلخيص السياسي :عدو عدوي هو صديقي، أيا كان موقف ذلك العدو الوسيط في المعادلة، بمعني أن قوي المقاومة للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية المفترضة هي أبنة حلف واحد وتاريخي يمتد من عمق التاريخ إلي أمد المستقبل بلا نهاية، معادلة تضم شافيز كماتضم ايران، تجمع القاعدة بالنظام الديكتاتوري بسوريا الشقيقة بثوار المورو في الفلبين، ولا قيمة هنا لمفترض أسمه السياق او للتحليل السياسي العميق لمنطلقات ذلك التحالف، لامعني لغائيته من حيث إشتماله علي الإنتحاريون والحالمون المقعدون بتجار السلاح، لاعلاقة له بمنتهي العداء من حيث وصوله مثلا إلي حرق الآخر بعنصرية او فاشية دينية أو ديكتاتورية عسكرية، يكفي الجميع انهم الآن تحت درجة الإحباط والعجز ذاته يعادون أمريكا وإسرائيل ومن ينوب عنهم حتي أسفل سافلين الشائعات التخوينية الساذجة، وفي مصر تحديدا يجمع هذا الحلف الذي أنتفض بدرجات متفاوتة بين الإرتباك والفجاجة للدفاع عن السيد وحزبه الإلهي وقواته المختبئة خلف أقنعة ،يجمع بين العاطل والباطل، بين هواة الجعجعة الموسمية والمنظرين الإستراتيجين، إبراهيم عيسي في قلب هذه المعادلة إله صغير بلا حزب، يصل راتبه الشهري إلي نحو 50 ألف جنيه فيما أجعص صحفي لديه لايتحصل علي 300 جنيه، لدرجة جعلت البعض يطلق عليه لقب "تاجر عبيد الحياة الصحفية"، وتناصا مع روح كتابته المدافعة عن الفقراء والمعدمين والمقهورين أذل جيل كامل من الصحفيين بورقة تعيين النقابة، جيل إنقسم لاحقا إلي دفعة تحولت إلي حطام بشري تشرذم بين الصحف يرتدي الماريول الأصفر الشهير لمستشفي المراض النفسية، وبين دفعة عامت –كما يقال- "علي وش الفتة الإبراهيمية"، فقربها الإله منه وانعم عليها براتب ضخم وسيارات وبرامج تلفزيونية، دفعة خرجت للوجود كمستنسخات مصغرة للديكتاتور الإله، تحكي كإبراهيم عيسي، وتلبس كملابسه، وتتقمص تناقضاته وتدافع عنه بضراوة، هذا تلخيص مبسط للنمط الأول من صحفيو الحزب الذي له الله، يكتب ابراهيم عيسي:" المؤسف أن كل من تكرههم تل أبيب وتعاديهم وتحاربهم عسكريًا مثل حماس وحزب الله وإيران وسوريا هم أنفسهم الذين يعاديهم حكم مصر ويكرههم ويحاربهم سياسيًا ، أن تكون مواليًا لإسرائيل ومستسلمًا لها ومطبعًا معها إذن هي شروط محبة الحكومات العربية لك ، وقد بات أن خدمة المشروع الإسرائيلي هي أكثر هموم ومهام الأنظمة المعتدلة والمعدولة أمريكيًا في المنطقة العربية، وهي الأنظمة التي تحارب بمنتهي العنف الإعلامي والمالي والسياسي حزب الله ، إن ما جري في بيروت من حكومة السنيورة المدعومة أمريكيًا والمرضي عنها إسرائيليًا ومصريًا وسعوديًا صورة فاضحة ناضحة بخدمة المشروع الإسرائيلي ، فقد قررت حكومة السنيورة أن تهدي إسرائيل في عيد ميلادها الستين هدية ثمينة، وهي ضرب شبكة اتصالات حزب الله، وعندما يرد حزب الله، تخرج أباطيل وأوهام أنصار إسرائيل في المنطقة ليكرروا علينا الأضاليل المتعارف عليها ضد حزب الله، وأول أكذوبة كبري تنتفخ كالفقاعة كل مرة في محاولة للعب بمشاعر المسلمين وتوليع جازٍ في عروق الأمة هي أن حزب الله الشيعي يقف ضد السنة وأهل السنة ، والحقيقة التي يسعدني أن أزفها إلي الجميع أن البوذي الذي يعادي الصهيونية هو أقرب إلي قلبنا من المسلم السُني الحنفي الذي يتحالف مع إسرائيل ، ومع ذلك فمعسكر حزب الله يقف فيه من أهل السنة وأتباع المسيح أكثر ممن يقفون في معسكر الموالين لإسرائيل ، هل ميشيل عون شيعي علوي مثلاً، وكذلك نجاح واكيم؟ !، وهل سليمان فرنجية مسيحي شيعي؟ هؤلاء مسيحيون، ومع ذلك من أكبر حلفاء حزب الله، ثم هناك كبار السياسيين السُنة من رؤساء الوزراء السابقين مثل سليم الحص وعمر كرامي زعماء مقاومة إسرائيل وليس حزب الله فقط، وهناك من الدروز وكل الملل بل والذين لا ملة لهم ضد إسرائيل ومع حزب الله، فالأمر ليس شيعة وسنة.. كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولها إلا متطرفو الوهابية ووعاظ السلاطين وشيوخ النفط «وإذا كان حزب الله شيعيًا فمتي تشيَّعت حماس إذن؟ثم مَنْ هو الأكثر سُنية ولبنانية من حيث الجذور والأصول عمر كرامي وسليم الحص وهما من أعرق اللبنانيين نسبًا وأعمقهم جذورًا في وطنهما أم الوافد سعد الحريري الذي لم يعرف لبنان إلا منتجعًا، ثم يروج إعلام مصدري الغاز لإسرائيل وحكومة «شوف» السنيورة أن حزب الله استخدم سلاح المقاومة لقتل اللبنانيين ويتجاهلون في كذبهم أن دماء أبناء حزب الله هي التي تسيل وتنزف وتُقتل علي أيدي قتلة الحرب الأهلية اللبنانية حلفاء السعودية ومصر، ثم إن سلاح حزب الله ظل في غمده بعدما انتصر علي إسرائيل في 2000وفي 2006 ولم يتم رفعه من قبل أو من بعد إلا في وجه إسرائيل، فهل كان مطلوبًا أن يسلمه للراهب المسيحي سمير جعجع أم للإمام الدرزي وليد جنبلاط حتي يرتاح العرب العاربة؟

لا مجال هنا بالفعل للنقاش، فمجمل هذا التحليل السياسي المعنون بـ "لله حزب" أتفه من تتعامل معه بمنطق سياسي أو تحليلي، لكنه ملخص موجز لتلك المزاجية الركيكة التي باتت تمثل ذلك الحلف الممتد والمعنون في غفلة بحزب الممانعة السياسية عن بعد، لكن اخطر مافيه فعلا هو احتواءه علي ذلك الخليط الرائج من التوابل السياسية التي تبلسم علي حالة العجز والإحباط الشعبي، ذلك الإقتناص للمنطق الشكلاني الرخيص للمتخاصمين المراهقين، فالمدخل الأساسي للمقال إتكاءا علي أزمة بيع الغاز المصري إلي إسرائيل وصولا إلي حزب الله في مواجهة حزب إسرائيل يدفع بالقارئ البعيد عن لبنان إلي التماهي مع الروح الإنتصارية لكلمة الحزب الإلهي مكتوبة بلغة إقصائية، لامجال هنا لفهم أو تحليل بعد ان إقتسم السيد خنادقه دافعا بك إلي خيار معهم أم معنا؟، ويتساوي في تلك المزاجية متطرفوا اليسار الثوري المصري أصحاب تكنيك" التحالف مع الأخوان في مواجهة النظام" مع بقايا اليسار التقليدي الذي يري خيار المقاومة الللانهائي وعيا مضادا لأصحاب مصطلح "الحياة الطبيعية للبنان" كما حلل الكاتب اليساري محمد السيد سعيد في مقاله الإفتتاحي بجريدة البديل اليومية، هناك ثمة إجماع علي الحفر بعمق داخل ذلك النفق (الخندق المظلم) لا لشيئ إلا إما نكاية في السعودية أو نكاية في النظام المصري، وهو ما يلخصه مشهد أحد رسامي الكاريكاتير القومجيون بجريدة يسارية حين رفض النظر في وجوه ملثمي حزب الله وهم يحرقون مقار جريدة المستقبل قائلا: "يعني هما مكتوب علي رؤوسهم حزب الله؟تلاقي الموساد هوا اللي حرق الجورنال عشان يتهم فيها حزب الله".

هناك في النهاية تلك الصدمة المتأخرة في حزب الله وسلاحه الشريف الذي لم يرفع يوما في وجه لبناني، صدمة تحتاج إلي وقت طويل لإستيعابها ومن ثم وضعها في حسابات القادم من الأيام، وهو مايدفع كثيرون لتأخير الخروج من هولها، لأن هشاشة البقاء دون ارض أو خندق أصعب كثيرا من الإعتراف المتأخر بالخطأ، أما من هم علي شاكلة السيد إبارهيم عيسي فلهم الله ومن بعده حزبه وماله النظيف.