سيبونى اتوه

كائنا ما كان ألا أوجد كان هو الأفضل

الثلاثاء، أبريل ٢٠، ٢٠١٠

تحليل ديناميكية المهارة الميسية...


غالبا ما يبدع كثيرون في اختصار أسطورة الزمن الكروية ميسي في مصطلح بلاغي إيجابي، إستخدام كلمات مثل الساحر، الماهر الفنان، الفذ ، إلي مجمل تلك الصفات المبسترة التي يصح إطلاقها بدرجات متفاوتة علي غيره، وإن كان بلوغه الدرجات القصوي بأفعل التفضيل كل تلك المهارات المفردة المجردة جديرا بها، إلا أن رؤية واحدة لم تتطرق إلي تحليل ذلك العنقود من المهارات وفقا للمعيار العلمي الفسيولوجي.

هذه محاولة بسيطة من جانبي وأنا كما يعرف كثيرون من المتحمسين إلي هذا اللاعب منذ عامين علي الأقل، أي قبل الإكتشاف الموسمي مع أربع أهداف في بطولة كبيرة كدوري الأبطال كحال لقاء أرسنال، وهذا مفتتح أساسي ونقاشي لتأمل هذا السحر من وجهة نظر شبه علمية.

يبلغ طول ميسي نحو 168 سنتيمتر، أي أنه وفقا لمتوسطات الأطوال ينحو إلي النمط القصير، أو المتأقزم إذا ماعرفنا أن هنا رؤوس حربة تلعب الآن بدءا من متران و2 سم، وأن المتوسط غالبا يدور نحو 185 سم، فماذا فعل ميسي بالعيب القاتل المضاد للمقاييس العادية؟

علي عكس معظم المنتمين إلي هذا القطع الطولي من لاعبين تكسر طموحاتهم الضعف البدني ، يمتاز ميسي ليس فقط بتكوين عضلي متماسك(لايصل بالطبع إلي البدانة الكاوتشوكية كما لدي مارادونا الثمانينيات) بل هو تكوين عضلي منضبط تماما دون زائدة شحمية أو ترهل لافت، ومايدهش بالفعل هو قدرة ذلك التكوين العضلي علي حسم كل المنافسات البدنية الخشنة من لاعبين يفوقونه طولا، والمتأمل لكيفية تعامل ميسي مع الإلتحامات التي تنحو إلي الإيذاء يدرك تكنيكه الخاص في المرونة المفصلية الإلتواءية في إتجاه ضغط التدخل العنيف، بمعني أدق تحوله إلي كتلة عضلية غير متوترة لحظة الإصطدام، تسييل الجسد فيما يشبه الإرتخاء الواجب في لحظات اليوجا، ويساعده علي ذلك خفة الإرتداد العضلي الاحق بعد الإصطدام، وقدرته علي إختيار طريقة السقوط الحر، بل إن مشاهدة أدق لتكنيكه في التدخل والضغط علي المدافعين كما في حالة الهدف الثاني في مباراة فالينسيا الأخيرة، نلاحظ مايمكن تسميته بالمرونة المفصلية الإستثنائية التي تحول الطرفان( القدمان) إلي مايشبه كلابة تتمركز قوتها في راس (مشط القدم) الكلابة لا في رافعتها( الساقين).

مايكمل هذا الميكانيزم، تطوير ميسي لما يمكن تسميته بالتلقيم القصير والسريع، أي تلاعبه بالكرة حيث لايزيد بعدها عن قدمه نحو 50 سم، ثم وهو ينقلها، ينوع بين وجه القدم وباطنه وخارجه، فإذا ما اضفنا لذلك هيكيلية تنويع المناورية بالخاصرة والركبتين، إكتشفنا البعد المارونيتي(نسبة إلي العروسة المارونيت) في تنويع التمويهات علي المستويات الثلاث، تنويع علي مستوي الملامسة الرأسية للكرة، تنويع علي تكسيرات الركبتين، تنويع أخير بالخاصرة فأعلي، ثلاثة مناطق يحسبها المدافع كتلة فإذا هي ألعاب الملاهي .

يتكيف هذا التكنيك مع إبداع آخر هو تنويع التزامن الإنطلاقي بالكرة، فهو يعطي الإنطباع مع هذا التلقيم بأنه سيفتح سرعته فجأة، وهو غالبا يختار أصعب الإحتمالات المتاحة، فإذا ماكان لمعادلة التوقعات ثلاثة أبعاد غالبا ما يختار أندرها واقلها إحتمالا للتنفيذ، فأنت كمدافع تنظر للتلاعب بمشط القدم وتتوقع إنطلاقة بنقلة مزدوجة في لحظة، لكنه يغير بسرعة التمويه إتجاه الحركة ثم ينطلق من اضيق الزوايا، هو ببساطة يلاعب جسدك في أحط مناطق ضعفه، وهي عدم القدرة علي التزامن المنضبط للتآزر الحركي العصبي لمحورك الرأسي وبهذه النتيجة تتمدد الضحايا في مشاهد أقرب للكوميديا الهزلية، ضحية أقرب للإنخداع بقشرة موزة.

تتكامل المهارة بالتصويب السريع الخاطف الدقيق العفوي، وكأن ميسي، قد قسم فراغات لا المستوي الأفقي فقط للملعب بل المستوي الرأسي ايضا، وعليك هنا بمتابعة كراته افلتفافية الرائعة في الإسبوعين الأخيرين، أو متابعة الهدف الأول في أرسنال، غالبا ما يصوب الكرة في عكس إتجاه حركته أو إندفاعه البدني، وهو لايضعها هكذا بطيئة بل صاروخية في إعجاز ميكانيكي يربو إلي المعجزة الفيزيائية.

ميسي وهو يصوب يكاد يحتسب الإندفاع البدني المتوقع لثلاثة مدافعين في لحظات تقاطعهم مع الكرة، أو مايمكن تسميته في لعبة البلياردو بالضربة الثلاثية المزدوجة، الفارق أن البلياردو علي مسطح وميسي يفعلها في الفراغ ومن وضع حركة.

حتي قصر القامة لم يمنع من أداء خارق علي مستوي التصويب بالرأس ومن يتذكر هدف نهائي البوندذليج الأخير عندما إرتقي كالسهم وعاد بنصفه الإعلي إلي الخلف محولا رأسه غلي حربة متلاحقة عكس إتجاه غندفاعه ليسكن شباك مانشيستر أجمل الأهداف الرأسية، ولكي أكمل السحر ، فقد تعلقت الكرة فيما يشبه اللوب أعلي الحارس الذي إكتفي بالمشاهدة، نسيت ان الكرة رفعت من علي الجانب اليمن مقوسة ومتدرجة الإرتفاع، أكمل المشهد بمايناسب من ألغاز جاذبية أرضية.

ميسي لا ينظر للخصم ، ميسي ينظر لأجزاء من جسد الخصم، لقدمه ، لخصره ،ولأنه يعلم إستثنائية تلك المترادفات لديه يوجه الطعن في صمت، يمر كما الماء في الماء، وهنا تكفي الإستعارة.