سيبونى اتوه

كائنا ما كان ألا أوجد كان هو الأفضل

الأحد، يونيو ٢٢، ٢٠٠٨

صلاحيتك التي ليست لمدي الحياة


صلاحيتك التي ليست لمدي الحياة
هاني درويش

يقول إعلان إحدي شركات التليفون المحمول الكبري" دقائق مجانية ...صلاحية مدي الحياة"، هكذا يصفحك الإعلان صباحا في كل الطرقات فتطاردك الفكرة لدقائق، ثم تلح عليك من وقت لآخر طوال النهار، يأتي الليل فتنطبع علي سقف الغرفة في ساعة الأرق التي تودع بها اليوم، تقوم صباحا فتكتبها علي شاشة الكومبيوتر وتنتظر....، تنتظر تلك الدقائق المجانية التي وفرها الإعلان كي تفكر فيه، لكن هل مايؤرقكك منذ أمس حقيقة الدقائق المجانية أم نصف العبارة الثاني؟ ...ماذا يريد المعلن من المستهلك حين يبشره بتلك اللغة المنتصرة بأن هناك صلاحية لشئ ما مدي الحياة، وقبل أن نسقط في بحار التفلسف والتأمل فإن مفهوم صلاحية خطوط التليفون المحمول إختراع مصري أصيل لم اري مثيلا له في كل أنحاء العالم، ومنذ نحو عشر سنوات كان الناس يطاردهم شبح نفاذ صلاحية الكارت أو الخط ككرباج يدمي وجوههم ويحملهم ندبة الفقر وعدم تحمل مسؤلية أن تحمل جهاز محمول، إخترعت الشركتان العاملتان فكرة صلاحية الخط كتهديد دائم للمستهلكين إذا لم يشحنوا رصيدهم من وقت لآخر، ربطت الشركتان بذكاء رصيدك – الذي هو مثقال وزنك الإقتصادي وطبقتك الإجتماعية وسلوكك الهاتفي- بصلاحية رقمك، تفضلوا عليك وأعطوك نمرة للإتصال والإستقبال فهل يمكن أن تحولها أنت إلي كابينة إستقبال مجانية دون أعباء، هذا القمع اللاقانوني وافق عليه جميع المصريون كما لو كان تبعة بسيطة أو فاتورة مؤجلة علي حساب دخولك عالم الإتصال من أي نقطة، وتعلم الشركتان الكبيرتان أن سلعتهما تخاطب لافقط ذوي الدخول العالية بل إن مكسبها الحقيقي فعلا في دخول خدمتها وسط طبقات المجتمع بأسره، بل وربما فائض قيمة أربحاها الصافية لن يتحقق إلا علي الشرائح الدنيا تلك التي تتباهي بالجهاز و مايوازي الرنة رصيدا، اليوم أنتهي شك الشركات الثلاثة في إمكانية أن تقلع عن إدمانك للمحمول، بمعني آخر بات مشهد أن تنزع شريحتك لترميها في قارعة الطريق مستحيلا، راهنت تلك الشركات بصبر علي إكتساح المنظومة التواصلية للمجتمع بحيث يصبح من لا يحمل محمولا خارجا عن الإجماع العام، أو كمن يسير بلا بطاقة هوية، وتحولت بالتبعية معايير التعامل مع الوقت(الزمن) إلي معايير منضبطة بالدقائق وطريقة إستهلاكها تقطيرا وتبذيرا، الإعلان الذي يحمل تلك البشري يضعك تماما في مجال صلاحية الإستقبال، أي كونك موجود علي الأقل، فيما الدقائق المجانية بمعيارها الزمني الأضيق هو صلاحيتك كصاحب قرار إستراتيجي في التواصل مع الآخرين، أنت تصلح إذا للإستدعاء، تلبي طلب المجهول والمعلوم من الناس في أي لحظة وفي أي وقت طوال عمرك المديد، أما تكلفة الإختيار الحر بالإتصال بالأخرين فهي رهن رصيدك أوفاتورتك التي تصارع فيها ثانية بثانية، أما إذا لم ترد يوما فلا معني لذلك أنتهاء صلاحية الكارت، معناه أنتهاء صلاحيتك كإنسان تحت الطلب الفوري، معناه أنك خارج نطاق الخدمة الحيوية، خارج صلاحية الحياة، ولن ترد علي تليفونات أخري.