سيبونى اتوه

كائنا ما كان ألا أوجد كان هو الأفضل

الثلاثاء، أبريل ٢٠، ٢٠١٠

إخوان مصر وعقوق البنوة للنظام

يكاد المراقب للصراع بين النظام المصري وجماعة الإخوان المسلمين أن يفطن إلى الحكمة التربوية التي يعالج بها "رب العائلة" "ابنه العاق". فبعد تطمينات المرشد العام الجديد للنظام بأنه "فهم الدرس جيداً"، وأنه ليس على خصومة حقيقية مع النظام - وفقاً لتصريحاته في مؤتمر التنصيب. وبعد تسريبات ترقى إلى مستوى الحقيقة، تتعلق بموقف الجماعة المرحب بملف التوريث، أو على الأقل المؤشر إلى عدم خوضها "معركة حقيقية" في مواجهته. ثم بعد أن هزمت الدولة، بشكل غير مباشر، الجناح الإصلاحي، بإجبار الإخوان اختيار مرشد دعوي يهوى التربية الداخلية ومبدأ التقية، عادت الدولة لتقلم أصابع "الطفل المطيع" باعتقال نائب المرشد محمود عزت صاحب الصفقة الإقصائية للعناصر الإصلاحية، ومعه عصام العريان الذي ارتضى – من بين هذه العناصر الإصلاحية - القسمة الضيزى في مكتب الإرشاد.

بعض الشغوفين بأمر الجماعة أرجعوا حملة الاعتقالات الأخيرة، والتي طالت أعضاء بارزين، إلى التقليد الموسمي للنظام في توجيه الرسائل المغلفة بالتهديد قبل أية فاعلية انتخابية هامة. هنا الفاعلية القريبة هي انتخابات مجلس الشورى التي، أعلنت الجماعة استعدادها لخوضها. لكن ما يغفله هؤلاء هو أن ما استقر من معادلة العصا فقط - بدلاً من العصا والجزرة الشهيرة - يكاد يحول العلاقة إلى طقس يستمتع فيه النظام بـ "سادية الأب"، وتستمع فيه الجماعة بـ "مازوخية الابن"، فيما يرقى إلى مستوى "المرض النفسي العضال".

الدولة المصرية الحديثة - منذ ثورة يوليو 1952 - ورثت تركة الوجود الإخواني ممن سبقوها، وتعاونت معه بتقيلم الطموح، واصطدمت به، بل أوصلته إلى مقصلة الإعدام بمحاكمات استثنائية. عادت الدولة في طبعتها الساداتية لاستخدام مجمل "التيار الإسلامي" في الانقلاب على طبعتها الرأسمال دولاتية لتحقق رأسمالية فردية، كان الخطاب الإسلامي داعماً لها ومزيحاُ لخصومها من التركة الناصرية. ومنذ بداية عصر الرئيس مبارك تأصل الحس "الوسائلي" للجماعة، فالنظام يدرك اللاخصومة المتأصلة في الجماعة، لكنه يرفض مشاركتها الحكم، بل إنه شيئاً فشيئاً يستولي على رأسمالها المعرفي (الحديث باسم الإسلام) بالسلب حين يجهض أي منحى "علماني" دستوراً وممارسةً. ترك النظام الإخوان كمجرد فزاعة لابتزاز خصومة الضعاف داخلياً (ليبراليين ويساريين)، وشركاءه العالميين متقلبي الهوى حول النزوع الإسلامي ( أمريكا والغرب). تحولت خبرة النظام من البطش بهم، إلى التلاعب السادي بمازوخيتهم، في معادلة عبادة البقاء. اغتر الإخوان حين خرجوا للعلن بـ 84 نائباً، في البرلمان، ثم عادوا يحفرون في الآبار الارتوازية للتدين الفطري لدى المصريين، فاقتصروا على الدعوة والتربية.

يبدو الانقلاب إلى الداخل باختيار مرشد قطبي محافظ - محمد بديع - استجابة احترازية، بدت كافية لتطمين النظام من وجهة نظر الإخوان. تزامن هذا الاحتراز مع خروج أسرار الجماعة التنظيمية في مؤتمرات علنية، وشبه ملاسنات صحفية. اعتبر المراقبون ذلك استعراضاً للإخوان، ومتاجرة بشفافية كاذبة -خاصةً في أمر مرشد لا يقبل التمديد- في الوقت الذي أفزع ذلك فيه النظام، وأظهره معترفاً بعلانية الجماعة، باعتبارها جزءً من الشأن العام. ومن ثم اعتبر المراقبون الاعتقالات الأخيرة "قرصة أذن" لتهذيب العلانية الإخوانية.

المفزع في هذه التحليلات هو إنكارها علانية الشأن الإخواني تاريخياً في الفضاء العام. فنجد أن انتخابات المرشد السابقة جرت تقريباً في شبه علانية تتناسب مع ما حققه الإخوان من انفتاح إعلامي محسوب في تلك الفترة. ثم أن العلانية تخص لأول مرة جمهوراً عاماً مهتماً بالشأن السياسي لا أكثر، خاصة إذا ما احتسبنا المتابعة الأمنية المتأنية لكل ما يفعله الإخوان سراً أو علانية، العلانية هنا كسراً لتابو اعتبار الجماعية تقريراً أمنيا اعتيادياً على مكتب أولي الشأن. أما الشفافية فحدث ولا حرج عما خرجت به انتخابات مكتب الإرشاد والمرشد نفسه من "تربيطات" تشبه إلى حد كبير تكنيك الحزب الحاكم في انتخاباته الداخلية.

هل الاعتقالات الجديدة تكسر سيناريو، أم أنها تكرار لمشهد؟ الإجابة تقبع في أمنية الجناح الإصلاحي الذي برر لا ثوريته، بتوحد الإخوان كجماعة في مواجهة بطش النظام على ما قاله محمد حبيب النائب السابق، وكأن الأجهزة الأمنية – كأب - لبت أمنيته لتوحد صفوف الجماعة، فألقت القبض على خصومه الإفتراضيين كي تمنح "الأبن/الجماعة" تماسكاً ولحمة، تمنعه من الانفلات أو الإنشقاق!

هل يفهم النظام الجماعة أكثر من فهم الأخيرة لنفسها؟ وماذا في إدمان دور الضحية التاريخية؟ هل ثمة استقرار في المرض العضال للصراع النفسي/سياسي بين النظام وخصمه الأسري؟

قوانين الصراعات الطويلة والغير محسومة وذات الحس المرضي التبادلي النفع، تنبأنا غالباً بما أستقر في مثل تلك الحالات، حيث يتحول الصراع إلى مسرحية أداءتية لا أكثر، كل طرف يدرك الخطوة المقبلة لخصمه في دائرية لا تنتهي، أما المشاهدون المضطرون لمشاركة الممثلين فضاء العرض، فهم مجبولون على المتابعة رغم الملل، ورغم محاولات الممثلون أحيانا كسر الإيحاء بالتكرار.