سيبونى اتوه

كائنا ما كان ألا أوجد كان هو الأفضل

الجمعة، نوفمبر ١٠، ٢٠٠٦

ومن اليسار ما قتل ( الحلقة الثانية)

ومن اليسار ما قتل..سيرة بلا مسيرة (الحلقة الثانية)


كان من الطبيعي أن أحتاط لتك المقابلة ، فعادل الذي إختتم مشاهده التاريخية معي بحب أفلاطوني النزعة لأكثر صديقاتي قربا من قلبي ، كان يمثل لي بتعليمه المتوسط وإنتماءه لمنطقة شعبية فقيرة تسمي عزبة أولاد علام بالدقي وميله الرومانتيكي الذي تكرسه نحافة إستثنائية ، كان بكل تلك المواصفات نموذجا للتوحد، يصلح كنموزج شيق للمناضل الكلاسيكي ذو النزعة الثورية الطهرانية إلي أن يكون مثلا يحتذي به، لكني أدركت من إنبهار عينيه عند المقابلة الأولي حس صياد سقط في فخ محبة فريسته، تسلحت للمقابلة بقراءة إضافية لمنوعات من كتب لينين النظرية التي إحتفظ بها أبي لسنين دون أن تلمسها يده، وخاصة كتاب الدولة والثورة في طبعة دار التقدم بغلافه الزيتوني، وعندما أزف الموعد كنت قد دونت بعض الملاحظات النقدية للمؤلف التي رأينها لاتناسب المرحلة وتحتاج إلي مراجعة نظرية ، وفي تمام السابعة مساءا قابلته علي إحدي البسطات الحجرية علي كورنيش النيل أمام الهيلتون ، أخرج من أسفل معطفه الشتوي الطويل مظروفا وهو يتأكد من خلو المشهد من متابعين فضوليين، وفيما هو يشعل سيجارة سوبر تحدث بهدؤ عن ما يحتويه الكتاب من كلام جديد يحتاج إلي نقاش في جلسة تالية ، إستلمت المظروف من يده وبحركة إعتيادية حاولت فتحه، لكن إشارة حازمة من يده قطعت الفعل الللاإرادي ، وكانت تلك أول دروس التأمين الحزبي التي يجب تعلمها، تحركنا وهو يتابع الحديث عن نظرية التأمين بينما عينه تحاول البحث عن عيون الأمن المفترضة وتمشينا حتي موقف الباص أمام الفندق من الناحية الأخري بعد أن أوصاني بعدم إستخدام مترو الأنفاق الذي كثيرا ما يتم التفتيش فيه لمجرد الإشتباه ، تحول الكتاب إلي قنبلة موقوتة علي وشك الإنفجار طوال رحلة الأوتوبيس إلي عزبة النخل، ثقة مشوبة بالحذر تركتها داخلي تلك المقابلة، فعادل بإستطالة ٌقدميه ونحافتهما وإصراره علي وضع ساق علي الأخري بينما تنعقد أطرافه الأخري فتتشابك يديه بأقصي أطراف ظهره ، كذا بإمالة سيجارته علي طرف فمه النحيل المنحرف قليلا بفعل إمتصاص خديه إلي الداخل، تركت لي هذه التركيبة الفريدة لغزا عصيا علي الفهم ،
” الشوكة والسكينة " هكذا كانت تسمية التنظيم الساخرة بين إخوته من التنظيمات السرية ، كانت التسمية تحمل سجعا مع فخامة التسمية الرسمية " الإشتراكية الثورية " وربما فسرت التسمية الثانية الشائعة عنه جزءا من التورية المقصودة في التسمية الأولي ، كانوا يسمونه تنظيم الجامعة الأمريكية ، ربما لأن كثير من أعضاء لجنته القيادية كانوا طلابا أو متخرجين من الجامعة ذات السمعة البرجوازية الطافحة ، وهو ما لم يحاول عضو اللجنة القيادية الذي قابلني أن ينفيه ، إختار مقهي لم أكن أعرفه - وأنا الخبير بالزوايا المختبئة بوسط البلد – ملاصق لأحد أبواب الجامعة الأمريكية ، مقهي لايرتاده إلا عمال الجراشات التي تحيط بالجامعة ، كذلك ربما يرتاده بعض الطلبة الذين وجدوا في إحتساء القهوة علي مقهي شعبي حاجة أوريجنال كما ينطقا السائحون ، العضو القيادي الذي قابلني سأعرف بعد فترة أنه العقل المفكر الرئيسي للتنظيم وسأعرف بالخبرة التالية في أروقة التنظيم المنحبسة أنه الآمر الناهي الأول، لم تبد علي معالمه في جلستنا الأولي أي من تلك الملامح ، كان سامح بميله إلي الغموض الذي يكرسه بطريقة مصافحته الحاسمة ، وإمعانه في إعطاء إنطباع رسمي عن المقابلة والمقابلات التي ستليها ، كذلك بإنبهارية عيونه و إنصاته التام لي أثناء الحوار يشعرني دائما بخطورته ، بقدرته الفائقة علي مفاجئتك بأسئلة في منتصف حديثك تشتت ترابطك الزهني ثم إبتسامته القناعية التي يقترب بها من وجهك وكأنه يطل بإقترابه الفسيولوجي الموتر علي باطن عقلك ، كان أحيانا ما يراوغك أثناء الجلسة فتخال إغراقه في تأمل وجهك وإدامته النظر بشكل مباشر إلي عينيك وكأنه يشوش علي إنشغال عقلي آخر يشغله أثناء حديثك ، لكنه فجأة كانت تتألق عيناه عند بعض الإنحناءات الحوارية وهو يهز رأسه فيما تتسع إبتسامته ويطلق أخيرا سهمه النافذ إلي هدم وجهة نظرك بالكامل ، يخرج ساعتها دخان الأرجيلة من فمه وهو ينظر إليه متصاعدا ، ثم يبدأ في إقتناص الخلل الجوهري في وجهة نظرك ، إستمع بتلك الطريقة إلي ملاحظاتي التي جلبت لي شياءا من الفخر خلال مقابتي الأولي بعادل ، ثم أعاد توضيح بعض النقاط الأساسية التي إختلفت عليها وأشاد بطريقة لافتة إلي عمق قراءتي لكتاب توني كليف