سيبونى اتوه

كائنا ما كان ألا أوجد كان هو الأفضل

الأحد، أغسطس ٠٦، ٢٠٠٦

حوار مع محمد البساطي بجريدة الحياة اللندنية

«لا أتابع التلفزيون لكن أحياناً نشرات الأخبار وإذا كان هناك فيلم جيد يوصيني ابني بمشاهدته» ... محمد البساطي: الوضع الثقافي يزداد سوءاً... والهدر بالملايين
القاهرة - هاني درويش الحياة - 14/03/06//
محمد البساطيلم يتخل محمد البساطي عن لكنة أبناء الريف. من حكايات «صخب البحيرة» إلى المدن الافتراضية في أعماله الأخيرة يتجول ببساطة، كما يتجول بين جدران بيته حين تؤرقه الكتابة. عدا ذلك يصلح في منزله أعطال الكهرباء ويرى جيل الرواية الجديدة أكثر حساسية بفعل الخبرة الطازجة.
> في آخر أعمالك الروائية «دق الطبول» لجأت إلى الفانتازيا بعد مسيرة تؤرخ لسيرة ذاتية، لماذا الفاتنازيا في عمليك الأخيرين؟
- «دق الطبول» ليست فانتازيا بالكامل بل هي تستند إلى الواقع، لكنها تجربة في سبيل الخروج من التقليدية، فالفكرة تطلبت ذلك وأتصور لو حكيتها بالطريقة التقليدية كنت في احتياج لمجلد كبير وما خرجت بهذه الطريقة.
> لكنك ربما عكست المسار فالطبيعي أن تبدأ بالمجازي وتنتهي بما هو أشبه بالسيرة الذاتية؟
- نعم لأنني وجدت أن العالم الذي لدي فترت حماستي له فلا جديد فيه، الفكرة في «دق الطبول» تفترض شعباً خرج في الكامل لتشجيع فريقه في كرة القدم تاركاً إمارته في يد المستخدمين، كان لا بد من سخرية ما من هذا الخيال، سخرية ومرارة في آن.
> لكنك اتكأت على حوادث واقعية مثل حادثة عزل الأمير الأب، فما هي شروط غزل الواقعي بالفانتازي؟
- الشكل الخارجي ربما يكون فانتازيا لكن داخلها واقعي، أنا هنا استهلم كافكا الذي استفدت منه كثيراً فالمسخ مثلاً داخلها تفاصيل واقعية مدهشة، ولترى كيف يصف حركة الحشرة كذلك في «المحاكمة» وهذه عبقرية كافكا ولو أقام روايته داخلياً على تفاصيل خيالية لتحولت إلى عمل عجائبي، أنا حاولت أن أربط القارئ على الأرض ببعض المفاصل، قد أدعه يحلق في السماء لكن لا بد من أن يتصل بالأرض الواقعية في شكل ما.
> هذا يحيلنا إلى ميكانيزم إنتاج النص ذاته، كيف تختزل الوقائع لتعيد انتاجها في شكل نصي؟
- في حالة «دق الطبول» انفتح العالم أمامي مع نكتة شهيرة عن أن إمارةً ما سافر كل سكانها في ثلاث طائرات لتشجيع منتخبها الكروي وهي إحدى النكات التي تشتهر بين المصريين تندراً بعدد السكان، ثم بدأت أخضعها للتأمل من سيكون المتحكم في إمارة نزح أسيادها؟...
> إن كانت اختزالات الذاكرة تعمل أثناء الكتابة فما هو قانونها؟
- قانونها هو التلقائية، العمل نفسه يحدد مساره وما أن تحدد منطلقًا للحكاية حتى يتحرك «قطار» الرواية، والعمل يستجلب حوادثه وحواديته، فشخصية زاهية كانت جزءاً من حكاية جليسة أميرة قابلتها في إحدى زياراتي للخليج لكنها كانت تعمل كحكواتي لامرأة عجوز مقعدة، استحضرتها لكن عند الكتابة تشكلت في شكل مختلف فالمرأة تقدمها لإغواء زوجها، ويتلاعب بها الطرفان لمصلحة إنجاب طفل وهكذا.
> تقول دائماً إنك تستغرق ستة أشهر في كتابة روايتك، ولهذا تواترت أعمالك أكثر في السنوات الأخيرة، كيف تدير علاقتك بالنص؟
- في البداية يشغلك الموضوع لفترة طويلة، ينقلب في رأسي فلا أتحدث مع أحد، هو يستولي علي في شكل كامل، وأولى المشاكل تكون في مدخل العمل، أو ثلاث صفحات هي ما تشكل بقية العمل، إذا ما وصلت إليهم بعد طول تفكير انتظر لأتأملهم وعندما أجد «الفرشة» مستريحة أبدأ في العمل ولا يأخذ العمل في كتابته أكثر من ثلاثة شهور، وأكثر ما يهمني في البداية هو الإيقاع لا أبحث عن معنى الكتابة، يتحرك «قطار» الرواية وأعمل على تنظيم إيقاعه، وأحاول ألا أخرجه عن قضبانه، أي تشويش مرفوض، الكتابة الثانية أقرب إلى «صنفرة» وتشذيب العمل خصوصاً اللغة لكن لا يحدث تعديل في مسار الرواية.
> كيف تكون علاقتك بالعالم المحيط خلال فترة الكتابة؟
- تقريباً انقطاع كامل عن كل شيء لأنها أصعب فترة في العمل، لا أستطيع أن أقرأ أو أشاهد شيئاً أو أقابل أحداً، وتتكثف لحظات التفكير في المشاهد في فترة ما قبل النوم، لكن عند الكتابة ربما أسقط الكثير من المشاهد تبعاً لميكانيزم الكتابة نفسها، وأحياناً تكون المقارنة بين مصيرين أو اتجاهين للكتابة صعبة فأتوقف وأعيد التأمل ويستمر هذا لأيام حتى يحسم أيهما الأمر.
> هل تستعين في ذلك بمخطط ما أو كتابة ملاحظات؟
- لا لو عملت بمنطق المخطط ينهار العمل، فأي كتابة أو حكي عن الفكرة يقتلها. لا أملك قدرة «ماركيز» على أن يختبر الحكاية شفهياً في أحد أصدقائه ليتأمل ردود أفعاله، فأنا أتجنب الجميع، والأسرة لدي على رغم أنهم غير قراء لأعمالي يفهمون تلك الحالة، أصبح عصبياً فيقولون «سيبوه في حاله».
> لا تقرأ أعمالك بعد الانتهاء منها لأنك قد تمزقها، هل هذا صحيح؟
- لو قرأت عملي بعد انتهائي من الكتابة ربما أحس بعدم الثقة فيه، لا أتحمله وأشعر بأنه ليس ما أريده تماماً، بعد عامين أو ثلاثة قد أقرأه وأقول إنه عمل جيد لذا ألجأ إلى مراجعة البروفات مع بعض قرائي من الأصدقاء واعتبرهم القراء السريين، لا يتدخلون في العمل فقط يقيمونه بجيد أو متوسط أو سيئ من دون تفاصيل، لكنني لا أعود إليه مرة أخرى، مرة واحدة انتقد أحدهم أحد مشاهد قصة قصيرة لي ولم استمع لنصيحته وبعد سنوات اكتشفت في قراءة متأخرة صدق مقولته.
> لك موقف من التلفزيون والميديا لماذا؟ وما هي علاقتك بالسينما؟
- لا أتابع التلفزيون لكن أحياناً نشرات الأخبار، وإذا كان هناك فيلم جيد يوصيني ابني بمشاهدته أشاهده، وأشاهد أفلام الأبيض والأسود وخصوصاً أفلام عبدالفتاح القصري فهو الوحيد الذي يضحكني، ومتابع للأفلام الأجنبية الجيدة ومنها «الطاحونة الحمراء» الذي شاهدته ثلاث مرات لأنه فيلم ساحر وأبحث عن فيلم «باب الشمس» ليسري نصرالله لأنني سمعت عنه كثيراً، لكن في ما عدا ذلك لا أتابع السينما المصرية الحديثة.
> ما هو موقع الكتابة في جدول أعمالك اليومي؟
- في حالة عدم وجود كتابة استيقظ في الثامنة وأقضي حتى الثانية عشرة في قراءة الصحف بعدها أمارس تسكعاً منزلياً فأنا أصلح كل الأشياء المعطلة في المنزل، الكهرباء والسباكة، ولي مجموعة من المعدات الخاصة، ويستمر هذا لوقت الغداء، بعده أنام لساعتين ثم استيقظ للقراءة حتى الحادية عشرة. في أيام الكتابة أبدأ الكتابة في الثامنة صباحاً حتى الظهر، وبعدها أخرج للتمشي ولا أقابل أحداً، أعود على الداء وأنام وأبدأ في الكتابة مرة أخرى بعد الظهر، في المرحلة الأولى من الكتابة وبعد المسودة الأولى اترك النص عشرين يوماً ليبرد وأهدأ تجاهه، واستكمل الكتابة بعدها، تؤرقني الكلمات تحديداً في اللغة العربية كثيرة المترادفات، وأحياناً يظهر نتوء لغوي أبحث عن حلول له، وأحياناً ما استخدم العامية لما فيها من رنين وشجن خاص.
> تشارك بفعالية في حركة «أدباء وفنانون»، متى اهتممت بالسياسة، ولماذا تحرك المثقفون، وهل هذا التحرك النخبوي سيؤثر في هذه اللحظة المفصلية؟
- نحن لن نحل الأمور بمجرد مشاركتنا، هي صرخة بعد أن وصلت الحالة إلى هذا التدهور، الثقافة المصرية في أزمة، وهي من معالم الانهيار الحادث.
ملايين للتفاخر بالأرقام
> المثقفون المصريون جزء من تلك النخبة وتحركهم الأخير يواجه صعوبات، فما هو الحل؟
- الوضع الثقافي يزداد سوءاً وربما يكون مشهد حريق بني سويف ملخص لذلك الانهيار.
فموازنات المؤسسة الثقافية تهدر الملايين في مهرجان للمسرح التجريبي بينما لا وجود للمسرح التجريبي. والمسرح الحقيقي في القرى يشتعل بأبنائه لقلة الإمكانات. حتى الملايين التي تصرف على المشروع القومي للترجمة هي ملايين للتفاخر بالأرقام وأتحداك أن تستطيع أن تقرأ كتاباً فيه، الترجمة سيئة والأخطاء المطبعية واللغوية تفصلك عن العمل.
وقد أعطيت للمشرف على المشروع رواية كانت قد طبعت في الستينات لفوكنر في ترجمة لميخائيل رومان وعندما صدرت جاؤوا بشخص ليكتب لها مقدمة وأسأل: هل هو يكتب مقدمة لفوكنر أم لميخائيل رومان، أم يكتب ليقبض مكافأة؟
> المشهد الثقافي يميل إلى الاستقطاب العنيف بين معارضي المؤسسة ومواليها كيف تراه؟
- المثقفون المصريون منقسمون ولا يملكون تجمعاً قوياً قادراً على التصدي لما يحدث الآن فالبعض غارق في عطايا المؤسسة والباقي متروك للبراري. أحد المثقفين يتحاشى أن يجلس معي في المكان نفسه مخافة أن يبلغ الوزير أنه قد جلس معي وهو ما يدعوني الى التركيز فقط في عملي. «أدباء وفنانون» صوت إحتجاج فقط، والمسيرة طويلة، نحن في حاجة إلى 50 سنة حتى نعيد الشعب المصري إلى ما كان عليه. هل تصدق أنني كنت أدرس أعمال موباسان في كلية التجارة، الآن لا وجود للأدب حتى في كلية الآداب.
> ما هي آخر قراءتك وكيف ترى المشهد الروائي المصري في هذا الجيل من الروائيين الشباب؟
- آخر قراءاتي أعمال أعيد قراءتها مرة أخرى، مثل أعمال فوكنر ودوستويفسكي، فهي أعمال أنت في حاجة لإعادة اكتشاف جمالها من حين إلى آخر، والمشهد الروائي الآن في منتهى الثراء بهذا الجيل الجديد، شباب الرواية يحملون حساً مرهفاً بالواقع أكثر من جيلنا، ومستوى أعمالهم الأولى تتفوق على أعمالنا الأولى، واندهش لذلك في أعمال عزت القمحاوي وشحاتة العريان ومنصورة عز الدين وياسر عبدالحافظ، عبرهم أرى تفاصيل ربما تمر أمامي من دون ان أدركها، هم يملكون وعياً مختلفاً ومكثفاً بالحياة ربما نفتقده بفعل الخبرات التي باتت تقيدنا.

1 Comments:

  • At ٣:٤٢ ص, Blogger mhmd said…

    مبروك المدونة يا سيدي
    مش تقول ؟

    على فكرة انصحك تتيح التعليق لأي شخص ماتخليهوش مقصور على المدونين

    تحياتي إليك وللعائلة الكريمة

     

إرسال تعليق

<< Home