سيبونى اتوه

كائنا ما كان ألا أوجد كان هو الأفضل

الأحد، أغسطس ٠٦، ٢٠٠٦

صورة المرأة بين الإعلان والفيديو كليب

ورقة بحث قدمت في مؤتمر "الموسيقى والتليفزيون"، نظمه مركز البحوث الأمريكية بالقاهرة.

صورة المرأة بين الإعلان والأغنية المصورة
نموذج حالة المخرج شريف صبري


هاني درويش
مقدمة:

تبدو الألفية الثالثة في تجلياتها الأولى، ألفية الإعلام بامتياز. فالتلفزيون بقنواته الفضائية والصحافة الخربية وتكنولوجيا الإنترنت، دفعت العالم للالتحام والتواصل عبر آليات أكثر ديمقراطية لمن يحق له الاختيار. لكنه من ناحية أخرى، أماط اللثام عن ثقافات ظلت لفترة قريبة أسيرة تصوراتها الذاتيه عن نفسها وعن الآخرين، خاصةً في مجتمعات العالم الثالث التي دفع بها اختياراً أو قصراً في آتون الالتحاق بركب عالمي موحد. وذلك دون أن تستعد هي من طرفها لتنمية جدل طبيعي حول صورها المجازية عن نفسها وعن الآخرين. ومن ثم فهي مرتبطة إنتاجاً وسوقاً بنظام عالمي موحد، بينما لازالت بناها الفوقية ثقافيا ومعرفيا منجذبة لوشائج ما قبل الارتباط. فسياسياً لازالت الديمقراطية محل سؤال جوهري، وثقافياً لا زالت متخبطة بين الالتحاق في النموذج الموحد وبين الحفاظ على أنساقها الثقافية السلبية والإيجابية. لهذا بينما السياسي والاقتصادي يسارعان باللحاق، لازالت الثقافة والمعرفة محل انتقاد في تعاملها مع ذلك اللحاق. ولعل الجدل الدائر حول حقوق الإنسان العامة، وغياب المجتمع المدني، والموقف من المرأة، قضايا معلقة في خطاب الهوية، والتي تتم مراجعتها الآن تحت تهديد أمريكي. فإن السكوت عنها لصالح دعاوى قومية وشيفونية صار أمراً غير محتمل، ولا تصلح هنا مبادرات أنظمة كرست للتخلف الثقافي والاجتماعي للتحدث عبر آليات نخبوية في مراجعة تلك القضايا، خاصةً وأن انفراط مظاهر التخلف الثقافي والاجتماعي لتتخلل بنى المجتمع التحتية وعلاقاته البينية يحتاج إلى مبادرة جذرية تأتي من أسفل، وهو جل ما تخشاه تلك الأنظمة. ومن ثم يظل الخلل البنيوي في قدرة تلك الأنظمة والشعوب على الالتحاق بركب عالم واحد، شرطه الوحيد هو قدرة تلك المجتمعات على مراجعة قضايا ثقافية ملحة، وفي مقدمتها الموقف من وضع المرأة.

هذه الورقة معنية بالأساس، بفهم علاقة الإعلام بتكريس مفاهيم سلبية تخص النوع الـ gender. حيث تناقش تحليل الصورة النسائية المقدمة في المادة الإعلانية والإعلامية الخاصة بالمخرج المثير للجدل، شريف صبري.

من ناحية أخرى، جدير بهذه الورقة ألا تتورط في جدل الصم والطرشان الدائر داخل الأوساط الثقافية، حول أخلاقية تلك المادة. فشريف صبري رغم كونه نموذجاً فارقاً في جرأته على تقديم ذلك المستوى من الإعلان. إلا أنه من ناحية أخرى لا يمثل إلا مرآة عاكسة بفجاجة لوعي نمطي في تعامله مع المرأة، يمتد بجذوره ليصل منتقديه بمؤيديه. فالاستعصام بنسق أخلاقي مزدوج ومشوه، متحير في طيفه العام ضد المرأة، لن يحقق مناقشة حقيقية لما خلف شريف صبري من منتج ومستهلك، يعلقون على مشجبه تواطئهم المعلن والتاريخ ضد المرأة وقضاياها. وما كان للأخير – ودون قصد معني – إلا أن وضع النسق الأخلاقي في أكثر لحظاته مأزقية وهشاشة.

فكما هو معروف وخاضع لدراسات عديدة، أن صورة المرأة في الإعلام المصري سلبية بالكامل. ويكفي أن نعود بالذاكرة، وليس ببعيد، لأيام صخب وضجيج الهوس الشعبي بمسلسل "الحاج متولي"، والذي استطاع أن يؤدلج وعي جماهيري ذكوري في إطار دراما، أعادت المرأة إلى عصر الحرائر والعبدات، مصحوباً بكل الشفاعات الدينية للحق في تعدد الزوجات، وبجدل سخيف حول مفاهيم "العدل بينهن". وذلك بعد أن روج لخرفة نمطية عن المرأة التي همها الوحيد هو الزواج من الحاج الوسيم المقتدر. وتم ذلك في تعامل مع مرأة ككتلة واحدة لا يؤثر في ذلك تباين مستواها الاجتماعي أو الاقتصادي أو الثقافي، طالما هي تبحث عن ذكر عادل، تقبل مشاركة غيرها فيه.

وربما تبدو الصورة أعمق من ذلك إذا ما تابعناها في السينما تاريخياً، وفي حالتنا في الإعلان. فشريف صبري لم يطبع قبلة "جرافينا" الشهيرة للإعلان الذي اشتهر في الثمانينات بحملة "انسف حمامك القديم". وربما سبقه في الصخب إعلانيا المخرج طارق نور، بإعلاناته عن "البيفي" في أوائل التسعينات، والذي أرق مضاجع أعضاء مجلس الشعب الإخوانيين في ذلك الوقت. ومن ثم فالتراث السئ السمعة للتعامل مع المرأة، متصل ويمثل شريف صبري تجليه الأخير الصارخ. ونحن هنا بالأساس معنيين بربط ظاهرته وتحليلها وفقاً لسياقه الثقافي وعلاقته بتطور ذوق المنتج والمستهلك في شريحته الأوسع. وكذلك تطور سوق الإعلان المصري، داخل سوق الإعلان العالمي، في سقف مفتوح متصل، يتبادل التأثير والتأثر، وإن كنا من ناحية أخرى لا ننفي إرادة وإصرار شريف صبري ذاته على اختيار ذلك النوع من المعالجة المشوهة.


الإعلان واقع افتراضي تكريسي:

فيما عدا حملات التوعية الإعلانية التربوية والمباشرة، والتي غالباً ما تصيب المشاهدين بالملل، نتيجة لسوء تنفيذها، يعد الإلعان التجاري من أكثر المواد الجاذبة للمشاهدين بحكم تطلع المشاهد لمعرفة الجديد في عالم الاستهلاك، وتمثله من جهة أخرى لعوالم ما خلف الإعلان. فالإعلان رسالة من منتج إلى مستهلك، عبر وسيط بصري صوتي. ومن ثم فهي رسالة تحتوي على دلالات متعددة التداخل، يعد أبرزها قيمة الاستهلاك كسلوك يحفز عليه الإعلان، وهو هدفه الأول. في حين أنه غالباً ما يحتوي الإعلان على ترسيخ لقيم، ويؤكد على استبدال قيم أخرى. فعبر ما يقدمه من واقع افتراضي مواز، يحمل الإعلان دلالات الحياة كما يجب أن تكون. وهو بذلك غير معني بتقديم الواقع أو التشكيك فيه، بل يسعى بالأساس إلى تكريسه عبر تجميله وتأكيد جماليات الحياة، عبر استخدام المنتج المعلن عنه. ومن ثم فالهدف التسويقي البحث، يحمل في طياته أهدافاً مجازيه أهم، هي المسئولة عن اضفاء بريق صناعي على الحياة، عبر المدخل السلعي. وعليه فالدلالات الرمزية المخبؤة داخل الإعلان، تخلق بالتراكم المستمر افتراضاً لعالم آخر يخص الصورة البصرية، أكثر ما يخص الحياة الواقعية. ومن ثم تصبح غائية الإعلان المثلى هي إيديولوجيا تثبيت الواقع وتجميله عبر التماهي مع أنساقه الأخلاقية والمراهنة على التطرف الزائد في تثبيت تلك الأنساق، لاجتذاب وعي المستهلك المباشر لشراء السلعة من جهة وجذب لا وعيه الأخلاقي والقيمي، من جهة أخرى.

وفي حالة مجتمع ينحو إلى أنساق أخلاقية محافظة، يلعب الإعان دوراً في تعميق هوة الازدواج بين المفترض والواقعي. وتلعب الشاشة المربعة دور الفاصل الرقيق بين قيم المتلقي الأخلاقي المتماسك والواقعي من جهة، وبين عالم قيمي مخالف مشتهى وافتراضي بالكامل من جهة أخرى. ومن ثم يزداد اغتراب المتلقي الواقعي مع تلاعب الصورة الافتراضية بالمكنون الأخلاقي له، مما يزيد خندقة المتلقي مع زيادة ارتباطه بنقيضه الافتراضي المعاكس. فالمتلقي السلبي القابع على مقعد، المتوهم بحرية اختياره للمادة المشاهدة، هو أسير اختيارات حددت له سلفاً. وهذه الاختيارات تحدد له نمط استهلاكه وأخلاقه وصوره. وإحدى هذه المفاهيم المحددة سلفاً، أخلاقيا واستهلاكيا، هي المرأة. فالقطيع الفاقد لتمايزه الداخلي، هدف سهل للإعلان الناجح (من وجهة نظر تسويقية)، حيث يلعب الإعلان دوراً محورياً في توحيد خبرة قطاعات واسعة من الجماهير. ولعل فن الإعلان ومنذ بدايته في مصر، كان أكثر الفنون البصرية تكريساً للصور السلبية عن المرأة. حيث تتشكل صورها إما من إغواء جنسي، أو تدلل أنثوي مفرط، أو تسلط ذكوري عكسي. وهي مضامين تؤكد على النظرة التحقيرية للمرأة، باعتبارها آداة جنسية فقط. وإن كان الإعلان عاكس لنسق أخلاق يحاول المنتج استغلاله لتسويق منتجه، فإن صوره الدلالية تعيد إنتاج القيم السلبية في نمذجة متطرفة.

شريف صبري داخل سوق مفتوح واستنساخات محلية:

شريف صبري مخرج إعلانات مصري، بدأ في نهاية الثمانينات في العمل من خلال وكالة إعلانات (أمريكانا – طارق نور). ثم سافر إلى إنجلترا، حيث عمل لدى وكالات ناشئة تطورت معها إمكانياته التقنية. وعاد إلى مصر في منتصف التسعينات برؤية جديدة مستنسخة من وضع الإعلان داخل الميديا الأوروبية والأمريكية. تزامن وصوله إلى مصر مع حالة انفلات للسوق الإعلاني بعد تجزأ الوكالات التي احتكرت العمل في السوق، في الثمانينات وأوائل التسعينات، متداخلة مع اتجاه الرساميل الكبيرة للاستثمار في مصر (وفقاً لمقاييس السوق المصري نفسه). ومع دخول خدمات وسلع مرتبطة إلى حد كبير بالسوق العالمي، كخدمات الاتصالات، في لحظة اهتمت فيها تلك الاستثمارات برفع كفاءتها التسويقية. وهو ما وفر إمكانات مادية جبارة للحملات الإعلانية التي، ومع ثورة الميديا والاتصالات باتت مطالبة بالمنافسة في عصر القنوات الفضائية. وهو ما أحدث بشكل عام طفرة على مستوى تقنية الإعلان وإخراجها الفني. إلا أن شريف صبري وعبر أول إعلاناته لحملة مشروب "بيريل"، قدم رؤية بصرية واعدة، يمكن تلخيص تميزها في الملامح التالية:
1. حداثة الألوان البصرية المستخدمة في الإخراج الفني. حيث الميل إلى الألوان المعدنية الباهتة في درجاتها في درجاتها النحاسية القريبة من لون المنتج، والمصححة مونتاجياً، لإضفاء إحساس لوني مختلف عن الذاكرة البصرية للمستهليكن، الذين اعتادوا على الدرجات اللونية عالية التعارض الصارخة والمتناقضة (إعلانات طارق نور).
2. استخدام تقنيات في الإضاءة أقرب لتقنية التصوير الفوتوغرافي الـ soft box unit. حيث تبدو الإضاءة الداخلية، باستخدام المونتاج اللاخطي، أكثر تركيزاً على الوجوه والسلع، بينما تبدو الخلفيات معتمة.
3. استخدام زوايا تصويرية مبتكرة وجديدة، إحداها زاوية منخفضة الارتفاع، تعتمد على عدسة واسعة لإبراز قلب الكادر.
4. كادراج سريع وموحي، أقرب للكثافة مع audio مختصر وموحي ومبطن أكثر منه صراحة تشكل مع المضمون البصري تكاملاً كثيفاً لفكرة الإعلان.
5. استخدام لموديل تختلف ملامحها ومقاييسها الفسيولوجية عما هو متعارف عليه في سوق الإعلان، حيث الملامح الأفرولاتينية، ومقاييس جمالية دولية، أقر إلى مقاييس الموديل الدولي أو ملكات الجمال.
6. التلاعب بخيال المتلقي بالإحالة اللفظية والبصرية لموضوع الجنس بطريقة غير مباشرة (ولا نعني بذلك إنها عميقة)، ولكنها قائمة على إثارة قشرة وعي التلقي لإكمال فراغات الصوت والصورة.
7. استخدام موسيقى بلوز وجاز وموسيقى أفرولاتينية، خارج حالة موسيقى المقسوم التي سادت الإعلانات. وعبر ذلك انهال المعلنون على شريف صبري الذي مثلما استنسخ الإعلان الأجنبي بروح مصرية، استغل ذلك ودول سعر قوة عمله ليبلغ 5 آلاف جنية استرليني في اليوم. ليكتمل بذلك النموذج السلعي المتاميز في سوق يبحث عهن الارتباط والتواصل مع سوق عالمي أوسع.

ربما كان أكثر ما أعطى منتج ما أعطى منتج شريف صبري تمايزه، هو اعتماده الاحترافي على أطقم عمل عملوا معه في لندن، وخاصة مديرو التصوير والـ art directors والـ stylists. وبتقسيمه للعمل بشكل احترافي، قائم على مركزية رؤيته كمخرج، و creative لمعظم أعماله. إلا أن أهم العوامل السابقة والجاذبة لعملاء شريف صبري، كان اغتراب صورة المرأة لديه، ودلالاتها المحمولة والمحالة على جاذبيتها الجنسية حيث موديلاته يرقص رقصاً شرقياً بحركة عنيفة لا تنتمي لانسيابية الرقصة التقليدية بقدر محاولات الأجانب لتعلم الرقص الشرقي (مثال أغنية قمرين لعمرو دياب). وكأنه يعيد قولبة الصورة الاستشراقية عن المرأة الشرقية بمستنسخات أوروبية تشبه استنساخ المعلن للمنتج ذاته والمروج له.

تحليل صورة المرأة في أعمال شريف صبري (نموذجي دراسة حملة إعلانات "فيروز"، وفيديو كليب "طب ليه بيداري" لروبي:
حسية المقارنة بين الموديل والمنتج:

يبدو جسد المرأة شريكاً أساسياً في معالجة شريف صبري في الإعلان التجاري. وهذا ليس فقط عبر الحضور الطاغي إحصائياً داخل كادرات الإعلان، وهي نسبة كبيرة جداً، ولكن عبر الربط الدائم والحاذق بين السلعة المراد الترويج لها وجسد المرأة. وهو يستغل في ذلك كل الإيحاءات الممكنة، منطوقة كانت داخل الكلمات، أو مرئية داخل التتابع المشهدي، مع التركيز على التقطيع المونتاجي المتوازي بين التشكيل البصري للمنتج، وشكل جسد المرأة، مبرزاً المناطق الحسية بالغة الإثارة. هو في ذلك يعيد إنتاج نموذج المرأة اللعوب المستثارة جنسياً، في تناص بين منتج يتمتع بحسية تذوقية، مثل المشروب الغازي الذي تتخذ أشكال فاكهته الموسمية أشكال جنسية من ناحية، وبين حسية الجسد الأنثوي المشتهى بصرياً. ولنلاحظ إيحاء المنطوق ودلالة الترجمة البصرية التالية: "فيروز.. حندوس، على الطبلة آه يا طبلة، في المنجة آه يا منجة، فيروز أناناس.. باحبه آه يا ناس، فيروز حندوس". يتوازى المنطوق الموحي عبر استخدام لفظ "حندوس"، بدلالاته االجنسية في المخيلة الشعبية، يتوازى مع تقطيع بصري يتضمن ألواناً استوائية ساخنة وملابس موديلز موحية، يبالغ في التقطيع بين منطقة الصدر لديها والفاكهة الموسمية (المانجا)، في توازي للدلالة الحسية التشكيلية واللفظ الممطوط دلالياً.

وفي ثاني إعلانات الحملة، والملئ بالمؤثرات الموسيقية دون منطوق، تظهر فتاة في لقطة متوسطة قريبة، يبدو أنها تشاهد مادة بصرية جذابة على شاشة ما مختفية، عندما تقترب الكاميرا من شفاة الفتاة، تتضح إثارتها الشديدة عبر حركة الشفاة بشكل بورنوجرافي، يحيل المتلقي إلى توقع نوعية المادة المعروضة على الشاشة. ثم من زاوية جانبية عمودية تمد الفتاة يدها إلى الشاشة لتخرج منها كوب ممتلئ بمشروب فيروز، وترتوي بحسية شديدة، في إعادة تدوير لتيمة المرأة المستثارة جنسياً، بالإحالة على كون المنتج مجال الإثارة الذكوري. وهي استعارة كلاشيهية للمرأة كموطن للغريزة لدائمة الباحثة عن الارتواء.

وتبدو فجاجة التمثيل البورنوغرافي في ثالث إعلانات الحملة، وهي لترويج عبوة أكبر حجماً للتوفير. حيث يستعير التمية الموسيقية الشهيرة لأغنية سعاد حسني "يا واد يا تقي"، لنمذجة الارتباط الجنسي عبر دلالات لفظية وبصرية كالتالي: "ياه.. ياه.. يا لتر كبير.. ياه يا موفر لي.. جديد من فيروز.. جديد وعاجبني.. ياه ياه يا لتر كبير"، متداخلاً مع تتابع بصري ركز على اندفاع سوائل العبوة الكبيرة والتي تم تصويرها من زاوية منخفضة وبعدسة واسعة لتعظيم حجمها، مع تموضع يد الموديل عليها، في استعارة بورنوجرافية بصرية، تعمل على تحميل دلالة العبوة على العضو الذكري، مزيداً بالإيحاء اللفظي المتشابه بين كلمة لتر ومنطوق اللفظ العامي، مع إبراز تلك العلاقة الإيروتيكية المشيئة بين الموديل وجسم العبوة التي تصبح قادرة على ملئ أكبر عدد من الأكواب. المنتج هنا يحمل الدلالة البورنوجرافية المجسمة بينما الموديل تتحدث عن كبر حجم اللتر

"روبي" حملة إعلانية لنجمة بورنو تغني:

مرت سحابات عديدة دون منغضات في مشوار الأغنية المصورة، لشريف صبري. ربما بفعل البدايات الموفقة مع مطرب المرحلة في أعمال مثل "قمرين" و"حبيبي ولا على باله" و"تملي معاك". والتي قدم خلالها تنويعات جديدة لنموذج صناعة النجم الشاب، معتمداً في نجاح كليباته كما أسلفنا، على وصفتة الاستعراضية الاستشراقية. وهي الطريقة التي واصلها في موديلات أغنية "طب ليه كده" لراغب علامة، الذي قدمهن على هيئة الجنيات الثلاثة اللاتي يحطن بالنجم على طريقة تصوير أغني الـ rap gangs. لكن موجة الاعتراض بدأت مع كليب "يوم ورا يوم" للثنائي سميرة سعيد والشاب مامي، الذي اقتطعت منه بعض القنوات مشاهد ذات إيحاء بورنوجرافي تخص سميرة سعيد. لكنه عاد ليفاجئ الجميع بروبي، راقصة ببدلة شرقية في شوارع باريس، في إعادة إنتاج للصورة الاستشراقية، حيث ألوان البدلة الشرقية الصارخة متعارضة مع ازدحام مدينة باهتة لونياً ومن مساحة صوتية monotone ، تغني "أنت عارف ليه"، ليقدم مشروع نجمة بورنوجرافية، تستعيض بالحضور الحسي الجسدي عن غياب الموهبة الصوتية. ولم يقف عن الأمر عند ذلك الحد، بل عبر حملة إعلانية مبتكرة، أقرب لإعلانات الاتصال بالهاتف، لممارسة الجنس عبر التليفون، حيث صورة لفتاة تبتسم بإغواء مفرط، تطالبك بالاتصال برقم ما، لمشاهدة وسماع أغنيتها الجديدة، التي ولأول مرة لم تتضمن داخل ألبوم غنائي.

بعد تلك الحملة التي قوبلت باستهجان إعلامي وصحفي، وجدل أخلاقي صاخب، قدم أغنيته الثانية المصورة "طب ليه بيداري"، في قمة التمثيل البورنوجرافي، الذي اعتمد فيه عبر تنويع شخصياتها الأربعة، داخل كليب خالي من الحدوتة الدرامية. يركز بشكل كامل على جسد الموديل/المطربة، وبخلفيات يظهر عليها فقط اسمها. للتأكيد على الدلالة الإعلانية، أكثر من طبيعة الأغنية المصورة. وعبر التنويعات الرباعية، قدمها مرة في شخصية فتاة مراهقة ترقص رقصاً شرقياً. ثم في تجليها الثاني، تبدو رياضية داخل صالة جيم، في استعارة معكوسة ذكورية، وبتقطيع مدهش على مناطق اللياقة الجنسية الخاصة بالموديل. ثم في ثالث شخصياتها تبدو في نمط كلاسيكي، تحتسي كوباً وهي تغمز بعينها. ويختم تنويعاته الدلالية برداء أحمر مثير. ويلاحظ في رقص التنويعات الأربعة لروبي اعتمادها على نمط رقص غير تقليدي، أقرب لراقصات الريف والموالد الشعبية، في تلاعب مثير للمخيلة الفلكلورية البورنوجرافية، مع كامل التركيز في كل التقطيعات المشهدية، على المناطق المثيرة لبطلة العرض. والتي تشارك في معظم الأحيان عبر اللمحات البصرية في التركيز على نفس المناطق، مرددةً "طب ليه كده". وهو من ناحية أخرى، قدم لغطاً لفظياً يتوازى مع الخيال البورونوجرافي عبر حكاية فتاة ملتاعة، تسهر الليالي في انتظار حبيب مشغول بمداراة مشاعرة. وهو في ذلك التعدد لأدوار روبي، يقتل خيال المتلقي، عبر استعارة كل الأدوات الدرامية الشهيرة لأفلام البورنوجراف.

خاتمة:

في تلخيص نهائي لتحليل الصورة، يبدو جسد المرأة لدى شريف صبري، أكثر النماذج تسليعياً وتجارياً، بلا إدعاءات أو مواربة. فبدلاً من الإتكاء على منتج إعلاني، تصبح روبي ذاتها منتج سلعي بامتياز، يمكنك عبر نمرة تليفون أن تشارك في مشاهدة تصوير كليبها الجديد على الطبيعة. فطالب الخدمة الروبية قادر الآن على المشاهدة العينية خارج الصوت والصورة المجردين. والمدهش أن سجن شريف صبري لنموذج المرأة في نمط روبي رباعية المظهر، يقتل خيال الصورة في إطلاقه.

هو في النهاية يم الخط على استقامته حتى النهاية، بتصورات جماهيره المتحيزة مبدئياً ضد المرأة. لكنه وهو يفعل ذلك يقدم التجلي الأخير، الأكثر تطرفاً لتلك الصورة المشوهة، المنتجة عبر تاريخ طويل من التحيز السافر. هو يكتب نهاية زمن المواربة خلف استعارات بصرية أو إيحاءات لفظية. ولا يترك غير الصورة في تجردها النهائي، الذي يحمل المرأة كل الشرور الأخلاقية لمجتمع ذكوري وسلعي. وهو قبل ذلك وتلك يملك جرأة/وقاحة عكس مرآة لا وعي الجماعة المحافظة، لا أكثر، عبر أغراض تسويقية واستهلاكية محضة. وكأن هذا الصخب المدوي جاء بعد أن نزع عن الجميع ورقة التوت الذكورية الأخيرة. فبحث الجميع عن مداراة لعوراتهم الأخلاقية المزدوجة والمتحيزة.