سيبونى اتوه

كائنا ما كان ألا أوجد كان هو الأفضل

الجمعة، يوليو ٢٨، ٢٠٠٦

المرأة والجنون في القرن التاسع عشر

كتاب يكشف كيف كانت النساء أولي ضحايا الحداثة الاوروبية في الطب
الجنون والمرأة في نهاية القرن التاسع عشر
هاني درويش
من الإصدارات الهامة التي يقدمها مركز قضايا المرأة والذاكرة مجموعة من الكراسات البحثية التي تتناول وتعالج قراءة التاريخ الثقافي العربي من منظور يأخذ في الإعتبار التشكيل الثقافي والاجتماعي للجنسين، بحثا عن إعادة التوازن المنشود بسبب عملية الإقصاء المتعمد التي عانت منها النساء والفئات المهمشة في المجتمع،ولا يخفي علي أحد أن ذلك الهدف يواجه الكثير من الصعوبات بحكم ما يترتب علي ذلك من زعزعة لمفاهيم راسخة في العادات والتقاليد والموروث الديني، وفي آخر إصدارات المركز حاول الباحثان د. هدي السعدي ورمضان الخولي الاجابة علي بعض الاسئلة الحرجة التي تتعلق ببدايات تكريس النظرة الدونية والاستعلائية ضد المرأة في نهاية القرن التاسع عشر ، وذلك في مجال طبي واعد في تلك الفترة وهو مجال الطب النفسي ، فكما هو معروف وقدم له الباحثان أن المجتمع المصري عرف مستشفيلت (بيمارستانات) الصحة النفسية في عصوره الاسلامية المتأخرة وهي الاماكن التي أنشأها الولاة لعلاج مظاهر العلة النفسية ، فيقدم الكراس كيف كانت النظرة المجتمعية للمريض النفسي أكثر تسامحا وأنعكس ذلك في إختيار الجهات الحكومية أماكن مزدحمة لإقامة تلك المستشفيات ، فكان أحدها يحتل ميدان الازبكية (سرة قاهرة محمد علي وحي الطبقة البرجوازية في ذلك الوقت) ، وهو مايعني ضمنيا عدم تعامل المجتمع مع تلك الفئة من المرضي بروح إستبعادية ، وشكلت مجاورة تلك المستشفيات للمستشفيات التي تعالج أمراضا أخري تأكيدا علي قيم ثقافية لاتضع المريض العقلي في جانب المنبوزين إجتماعيا وثقافيا، وهو الأمر الذي إختلف تماما مع بداية تبني النخب لأنظمة الحداثة الطبية الوافدة مع الإحتلال اللإنجليزي عام 1882، حيث عمدت المؤسسات الإنجليزية الوافدة وبإسم الحداثة الطبية غلي التعامل مع المرضي العقليين كأفراد يمثلون خطرا شديدا علي المجتمع السليم عقليا خاصة مع شيوع نظريات العنصرية العلمية ، فيقدم الكراس كيف إنتقلت المؤسسات الجديدة بمستشفيات المرض العقلي إلي منطقة العباسية الجديدة المحاصرة بمناطق عسكرية تابعة للجيش الانجليزي ، أو العزل في منطقة الخانكة شمال سرق القاهرة علي تخوم الصحراء في محاولة للفصل الديموجرافي عن مجتمع العقلاء ، مما قطع علاقات المرضي بزويهم ، وتلفت الكراس الانتباه إلي ان ذلك لم يحدث أتوماتيكيا إلا بمساعدة نخبة من الالاطباء المصريين الذين تعلموا في أوروبا ، وعادوا بمناهج البحث العلمي السائدة في تلك الحقبة والتي عملت كغطاء علمي لذلك التحول في النظرة المجتمعية للمريض العقلي ، وتقدم الباحثة هدي السعدي قراءة هامة في ثلاث مؤلفات ظهرت نهاية القرن التاسع عشر لأطباء مصريين ، وهي " أسلوب الطبيب في فن المجاذيب " للدكتور سليمان نجاتي ونشر سنة 1896، وكتاب " صحة المرأة في أدوار حياتها " للدكتور أحمد عيسي ونشر سنة1904، وكتاب " طب الركة " للدكتور عبد الرحمن إسماعيل ونشر سنة 1894، وقد أوضح هؤلاء الثلاثة في مقدمات كتبهم أنهم مسؤلون عن إدخال الاعراف الطبية الاوروبية إلي المجتمع المصري من أجل إخراجه من الظلام إلي النور ، وهو الامر الذي إعتبروه مهمة وطنية جليلة ومسؤلية ملقاة علي عاتقهم من أجل خير شعبهم ، لكنهم وهم يفعلون ذلك تبنو وجهة نظر الرجل الغربي الأوروبي.
الكتاب الاول " اسلوب الطبيب " يعد أول كتاب في طب النفس باللغة العربية ، ومؤلفه هو أول مصري يمارس الطب النفسي ويقوم بتدريسه في مدرسة الطب ، لكنه عند تقسيمه للإمراض النفسية يري أن بعض اللأمراض لاتصيب إلا المرأة ويري أن تلك الأمراض العقلية ترتبط إرتباطا وثيقا بالتركيب البيولوجي للمرأة، فالتغيرات الفسيولوجيية تؤدي إلي تغيرات في الحالة العقلية للمرأة خاصة فترات الحيض الشهرية معددا أشكال الاضطراب العقلي لها والتي تصل إلي المس والملنخوليا ، وإن نجت من جنون الحيض فهي مهددة بالإنهيار العقلي والزهان في فترات الحمل والولادة والرضاعة ، وهي كذلك معرضة إلي هلوسة ونوبات هيجان في فترات خلل الرحم وإنقطاع الطمث ، أو بمعني أدق فحياة المرأة كلها علي محك المرض العقلي ، فهو بذلك يغطي حياة المرأة بطولها ، ويصل إلي نتيجة مؤداها أن المرض العقلي يصيب المرأة أكثر من الرجل ، بل ويصل إلي نتيجة تؤكد أن إمكانية توارث المرض العقلي تتضاعف لدي الامهات ثلاث مرات مقارنة بمعدل وراثة المرض من الاباء ، بمعني أخر أن إحتمالية زيادة المرضي العقليين تأتي من الأمهات لامن الأباء .
ثاني الكتب " صحة المرأة في أدوار حياتها " يطبق النظرية الداروينية لتعميق تلك الأفكار عن إنحطاط المرأة الطبيعي داعما نظريته المستوردة بالإدلة والقراءات الدينية التي يؤو لها لخدمة تطبقاته مستشهدا بآيات القرآن التي نزلت في حمل المرأة، وثالث الكتب "طب الركة " يمارس نفس التفرقة حيث يجرم الطب الشعبي "الركة" الذي كانت تمارسه النساء العجائز متهما النساء بأنهم مصدر الخرافات قديما وحديثا، علي الرغم من كثيرا من فنون الطب الشعبي كانت تتعامل مع الامراض العادية بأساليب ثبت لاحقا جدواها .
وتصل الباحثة إلي نتيجة مؤداها أن الخطاب النفسي في آواخر القرن التاسع عشر في مصر كان إعادة صياغة للأعراف والنظريات الغربية، فلقد عظم الأطباء المصريين المعايير الغربية وهاجموا بضراواة الأعراف المحلية ودعمت ذلك الدراسة الإحصائية بالكراس التي قدمت قراءة وتحليل إحصائي لبيانات مستشفي الأمراض العقلية بالعباسية عند بداية القرن العشرين ، أي في الوقت الذي ترجمت فيه تلك الافكار في الممارسة العلمية ، حيث ترصد الدراسة زيادة في أعداد النساء المدعات بالمستشفيات ، وكذلك أعداد المتسربات من المستشفيات ، و نوعية الخدمات المقدمة لهن مقارنة بالمقدمة للرجال،و أخيرا عدد العاملات من النساء بالمستشفي مقارنة بالرجال ومستوايتهن الوظيفية المتدنية مقارنة بسلطة الآطباء ، وهو ما يؤكد أوجه التمييز ضد المرأة مريضا ومعالجا

أما الدراسة الثانية بالكراس فقد قدمت دراسة قانونية لإوضاع النساء ةالجنون في القرن التاسع عشر حيث يصل الباحث إلي نتيجة مفادها أن المؤسسات القضائية ذات الثقافة الإسلامية لم تتقبل تلك الأفكار وقللت من الدور التميزي الذي لعبته المؤسسة الطبية الغربية الوافدة فلم نجد حكما قضائيا تميزيا يفرق بين الرجل والمرأة علي أساس الصحة العقلية وظل قيول القضاة لتقارير الأطباء حق للقاضي والذي غالبا ما كان لايعتد به