سيبونى اتوه

كائنا ما كان ألا أوجد كان هو الأفضل

الأحد، أغسطس ٠٦، ٢٠٠٦

حوار مع إدوارد الخراط بجريدة الحياة اللندنية

«أستمع الى موتسارت وباخ بلا انقطاع اثناء الكتابة» ... إدوار الخراط: الأدب الرفيع يتوجه الى قارئ واحد افتراضي
القاهرة - هاني درويش الحياة - 25/04/06//
إدوار الخراطإدوار الخراط الذي جاوز أخيراً عتبة الثمانين صاحب تجربة خاصة في السرد العربي الحديث. إبن الاسكندرية كاتب «حيطان عالية» و «رامة والتنين» مولع باللغة والأدب والموسيقى والفن التشكيلي. هنا حوار معه:
ماذا تغير في علاقتك بالعالم والكتابة بعد هذه الرحلة الطويلة؟
- لعله من الغريب بالفعل انه لم يحدث تغير أساسي أو جذري أو عنيف في تصوري وعلاقتي بكل من العالم الخارجي متمثلاً في المجتمع، أو العالم الداخلي الذي يمس تصوراتي بالكتابة والمعايشة الروحية للأسئلة الكبيرة، لم يحدث تغير أساسي مما يمكن ان أسميه مرحلة النضج في اليفاعة المبكرة، فما زالت تصوراتي الآن وعلاقتي بالعالمين تبدو لو انها كانت هي نفسها في تلك المرحلة المبكرة، وكأنني ما زلت ذلك الصبي اليافع أو الشيخ الكهل في الوقت نفسه.
> منذ البداية وحتى في آخر أعمالك هناك رهان دائم على إمكان التغيير وإمكان أن تلعب الثقافة دوراً رافعاً ومحورياً يُطور المجتمعات العربية. الا تلاحظ تراجع الاهتمام بالفنون الكتابية مع سيطرة الوسائط التكنولوجية الحديثة كالميديا البصرية؟
- لا أظنني متفقاً معك على الإطلاق بأن تلك الوسائل استطاعت أن تهمش هذا الجانب، بل يبدو أن هناك ثمة علاقة من شكل خاص بين القارئ والكلمة المكتوبة، أحد هذه المقومات هو ان الكلمة المكتوبة وعلى عكس الوسائل الأخرى تتيح للقارئ قدراً من حرية الخيال والإبداع، لكن في حدود الأصوات التي تملك تلك الملكة الثمينة والقادرة على تقديم ذلك الإبداع.
> لكن الميديا الحديثة تقدم ذلك الخيال جاهزاً ومعلباً، هل الكتابة ما زالت قادرة على الاستحواذ على جمهورها الطبيعي والذي هو في تناقص مستمر؟
- لا أتفق معك بأن الصورة قاتمة إلى هذا الحد، ليست لهذه الوسائط تلك الهيمنة النهائية، وما يؤيد هذا الاستقراء أن الثقافات الغربية حيث وصلت الثقافة البصرية الى أعلى مستوى تقني، ما زال للكتاب والصحيفة والمجلة مكانتها التي لا يشكك فيها أحد ولا زال جمهورها يتزايد، ولعل وسائل الاعلام الجماهرية ساعدت ولم تعق تلك الهيمنة، فكثير من القنوات تتعامل مع الكتابة والكتاب وتقدم لهم برامج ربما ساعدت اكثر في بيع الكتب والصحف، ما يؤكد تلك المكانة للفنون الكتابية.
> لكن لك أطروحة حول أزمة التلقي في الثقافة العربية والتي ترى أنه لا بد من فك إشكالياتها قبل الحديث عن دور للثقافة في مجتمعاتنا. ألا ترى أن ازمات ذلك التلقي في ازدياد مع آلات تضخ لمتلق كسول بالفطرة؟
- يحتاج الأمر الى التقصي العلمي والمنهجي وإلى دراسات اجتماعية موثقة، لكن تصوري عموماً أن هذا ليس صحيحاً فسطوة الصورة ليست بهذه الاطلاقية، وان القارئ العادي لا يزال في احتياج الى حرية وخيال الكلمة.
> أنت دائم التفريق بين مستويين من الحداثة، الأول هو الحداثة الأدبية والثاني هو الحداثة المجتمعية، ألا ترى ان هذا التفريق تحديداً هو المسؤول عن نخبوية الثقافة؟
- أولاً ليست هناك علاقة آلية او مطردة بين الحداثة المجتمعية والحداثة الأدبية، بل ربما كان الأمر على العكس فلطالما كانت الحداثة الأدبية تسبق وتبشر بالحداثة المجتمعية، هي ليست تابعة للظاهرة الاجتماعية وإن كانت لا تنفصل عنها في شكل ما، يمكن ان تراها منذرة، لكن الأدب ليس له هذا الدور المباشر والحاسم، دوره في ما أقدر يقع على المدى الطويل وغير المباشر.
> لكن الآن تحديداً يحدث صدام عنيف بين حداثة الأدب العربي وحالة ردة مجتمعية عنيفة على كل المستويات والدليل تزايد المحاذير الرقابية واتساع رقعتها وتحول الجماهير نفسها الى حكم رقابي؟
- لا أتفق معك، نحن في احتياج الى تعريف أدق لحرية التعبير وضوابطه، الصدام إذا حدث بين الثقافة والمجتمع لا تقع ضحيته الثقافة، بل على العكس فإذا كان هناك ثمة ضحية فهي ظواهر اجتماعية معينة وليس المجتمع كله بأكمله، الثقافة أعمق في أثرها من ان يؤثر فيها صدام عارض.
> دائماً ما تضع غاية للأدب تتمثل في الحرية والعقلانية، كيف هو حال المثقف الآن مع حالة حصار لكل ما هو عقلاني وحر وإذ تحول عالمه الى صراخ في غرف معزولة؟
- دائماً هناك تناقض وصراع بين المثقف ومحيطه السياسي والاجتماعي، صراع قديم ومعقد، ولعله صحي فهو يضمن على الأقل خلخلة السلطة الاجتماعية، أياً كانت توصيفاتها، فما زال للثقافة دور في تحديث الظواهر الاجتماعية وفي الارتفاع بوعي الناس بالذات والعالم بما يؤدي الى تغيير المجتمع نفسه.
> لكن المجتمع استجلب معاييره مثل معيار السوق مثلاً في استهلاكه للأدب، أصبحت القراءة الآن لظواهر أكثر المبيعات وأصبح النجاح الجماهيري يرتبط بكتابة النميمة السياسية والاجتماعية أو الأعمال القابلة للمعالجة السينمائية، ألا يمثل ذلك خطورة ما على الأدب؟
- هذا الوضع ليس جديداً، فالأعمال التي يمكن تسميتها بالأدب الرفيع، هي بطبيعتها لا يمكن مقارنتها بتشجيع كرة القدم، النخبوية هنا ليست واردة، فالنخبة لم يفرضها أحد. الثقافة الرفيعة تحدد وتوصّف نخبتها، وليس العكس بمعنى انه ليست هناك طبقة معينة تفرض رؤية او ثقافة ما وتنفي رؤية او ثقافة أخرى، فالعكس هو الصحيح. الأدب الرفيع يختار نخبته، لا أعتقد ان هناك ما يروع روح الأدب من مستهلكيه الجدد. لقد كانوا موجودين باستمرار في تاريخ الأدب، هناك أدب شعبي مستهلك وهناك أدب رفيع قادر على الوصول الى اي طبقات اجتماعية او سياسية، الأدب الرفيع لا يتوجه الى جمهور بل يتوجه الى قارئ واحد افتراضي، رسالة لمتلقٍ واحد احتمالي غير محدد.
> هل ترى النقد الآن قادراً على متابعة الواقع الأدبي وهو واقع كثير الحركة؟
- هناك دائماً تنافر وتجاذب بين ما يسمى بالحركة الإبداعية والحركة النقدية، وبطبيعة الحال هناك فارق بين التنظير الأدبي ومجال التطبيق. العلاقة الآن سليمة، فما زال النقد يقوم بمتابعة وتقوييم الحركة الإبداعية، ما يراه البعض خللاً يرجع في تصوري الى انه لم يعد للنقد مكان في وسائط الإعلام، مثل الصحافة وغيرها، ما يشعر الناس بوجوده، لكنه ما زال موجوداً في المنابر المتخصصة، كما كان سابقاً.
> ألا تعتقد ان هناك افتقاداً لحساسية نقدية توازي الجديد أدبياً، ألا تنتمي الكتابات النقدية الآن الى لحظة سابقة ابداعياً ونقدياً؟
- هذا ايضاً ليس جديداً، فالتزامن بين النقد والأدب في شكل دقيق مستحيل، فالنقد يظل ملاحقاً للظواهر الاجتماعية، الفجوة ليست كبيرة وأظنها طبيعية.
> بعد هذه المسـيرة من «حيطان عاليـــة» الى «الغجرية ويوسف» كيف ترى الاختلاف في كتابتك وطقوسها؟
- ليس هناك اي فارق. ليست لي طقوس خاصة. احتاج فقط الى نوع من الهدوء والموسيقى الكلاسيكية الخافتة، ووجود من أحب قريباً مني. استمع الى موتسارت وباخ بلا انقطاع اثناء الكتابة. مكتبي هو مكاني المفضل. وإن لم أكن في البيت أحول المكان الى ما يشبهه، أضع بعض الكتب وأعدل أوضاع الأشياء لتشبهه. الكتابة نفسها لم تختلف. عملية احتشاد طويل ثم كتابة متصلة، والاحتشاد قد يستغرق سنوات، وقد يستغرق أسابيع، وأحياناً تأتي دفقات غير محسوبة أثناء الكتابة نفسها. حياتي الاجتماعية تستمر وان ظلت حياتي الداخلية تستعر من دون فصام بين المستويين، قد انتظر كثيراً قرار الكتابة من دون حساب، واحياناً يباغتني من دون وعي، لا أحسب لشيء، هي أقرب لتعبير الفوضى الخلاقة السائد سياسياً الآن.
> بعد هذه المسيرة الطويلة مع الكتابة والنقد هل ما زالت هناك كتابات تتوقف أمامها وتندهش؟
- اصبح ذلك نادراً، وكثيراً ما اشعر اني شاهدت هذه الكتابة، وغالباً ما يكسر تلك الرتابة كاتب أجنبي وليس عربياً.
> سوء الفهم واقع الآن بين الثقافة العربية والعالم من حولنا، ما تعليقك وأنت من رواد الحداثة؟
- لا يمكن التعامل مع هذا الغرب على انه غرب واحد شيطاني. هناك الغرب الاستعماري وهناك الغرب الثقافي وهناك الغرب الذي يدافــع عن الحرية اكثر من كل المنظرين العرب. العلاقة تاريخياً تتضمن كل هذا الخليط، هناك الغرب العنصري وهناك الغرب ضد العنصرية، كما اننا لسنا واحداً هناك الثقافة الشعبية والاستهلاكية التي يتم استغلالها، وهناك الثقافة العقلانية العلمانية المنفتحة التي هي المؤهلة للوقوف والحوار مع هذا الغرب من دون أي إحساس بالدونية بل بالندية وبالبحث الحقيقي عما هو مشترك.