سيبونى اتوه

كائنا ما كان ألا أوجد كان هو الأفضل

الأربعاء، أبريل ٢٨، ٢٠١٠

من تسييس الكرة إلي "تكوير السياسة" عاش حنان أمنا الجزيرة الرياضية هاني درويش


يتخيل محمد خير مصر علي هيئة جدة عجوز تعيش في بيت أحفادها، تهددهم بالإمتناع عن الطعام والشراب إذا ما أجبروها علي تناول الدواء، ويري وائل عبد الفتاح مصر أقرب إلي أم قاسية فاقدة للذاكرة يطالبها أبناؤها ببعض الحنان، التشبيهان المبسطان لحال مصر في معركتها حول الجدار العازل(في حال وائل) أو معركتها مع قناة الجزيرة الرياضية حول بث فاعليات بطولة امم أفريقيا لكرة القدم(في حال خير) ينتميان إلي الجيل الجديد من الإستعارات التلخيصية لمصر ودورها الأقليمي في حال تعرضها لأي أزمة تتطلب منها أن تتعملق بحجم توقعات محيطيها فيما هي لازالت تبحث عن قميص محبوك لجسدها الضامر.

ها أنا اسقط في أفخاخ التشبيه والصور التلخيصية بدون إرادة، وأنا في ذلك ومن قبلي صديقي لاننحو إلي بلاغة تضخم من العلاقة بين المشيه به وبين الشبيه، بل علي الأرجح، نبحث في شكل إدارة النظام المصري لأزماته علي إستعارة محبوكة توازي أداءه النكوصي، أداءه الذي لايخرج خياله الإنفعالي الطفولي المتداعي الكارثي الأبله عن إستعارات من هذا القبيل.

الأسبوع الماضي علي سبيل المثال، لقنت قناة الجزيرة الرياضية النظام المصري درسا في "حنان المترفعين علي الصغائر"، عندما أعلنت في الساعات الأخيرة عن بث مباريات منتخب مصر في أمم إفريقيا مجانا، وكان النظام إعلاما ونخبا وجماهير قد أدار معركة من "الردح المصري الأصيل" ضد القناة الرياضية رابطا بين معركة سور غزة وخلافات النظام مع القناة الأم ومبالغة الرياضية في طلباتها المالية مقابل بث مباريات المنتخب، هكذا يتعمد مهندسو "تحويلات المجارير" في النظام المصري خلط السياسة بالكرة، ومثلما قام النظام بتسييس الكرة في أزمة معركة الخرطوم ضد الشعب الجزائري، قام الأخير بما يمكن تسميته بـ"تكوير السياسة"، أي الخلط المتعمد لمياه الصرف الصحي (السياسي) بمياة الشرب (الرياضة) ذات الشأن الإقتصادي البحت.

10 ملايين دولار هي قيمة ما طلبته الجزيرة الرياضية من النظام المصري كي يقدم الأخير "أفيونه" إلي الجماهير الغفيرة علي قنواته الأرضية، والجزيرة حددت الرقم وفقا للتسعير العالمي بينما كانت مصر تتمني المعاملة التفضيلية بلا مبرر واضح. بل وأشترط الجانب المصري(الذي لايحق له الإشتراط أصلا) أن يبث البطولة بالكامل بإستديو تحليلي مصري و"تورتة إعلانات محلية ينفرد بها الجانب المصري.

إلي هنا الأمر يبدو غريبا، أنت تطلب مني أن أبيع لك سلعة بمبلغ معين كي تعود أنت لبيعها من الباطن بأضعاف الأسعار للمعلنيين المصريين، وإلا ...وإلا ...، وإلا ماذا، اللجوء إلي شغل البلطجة والشرشحة وتشويه السمعة.

لندخل أكثر في التفاصيل، ينظم بث القنوات المشفرة في مصر شركة تسمي مصر للأخبار، متبوعة بالكامل لجهاز مدينة الإنتاج الإعلامي المملوكة للدولة، تقوم هذه الشركة بتحصيل الإشتراكات وتنظيم خدمة القنوات المشفرة، وهي بذلك تحتكر وحدها ومعها القمر الصناعي المصري النيل سات تقطير وإذلال المصريين بالفضاء العام، هي مجرد وسيط لكنها تتحكم ببساطة –في ظل غياب شركات منافسة- بمايهطل في الفضاء من مباريات وأخبار وخدمات للطبقة الوسطي العريضة القادرة علي دفع ثمن خدمة مميزة، والجزيرة الرياضية من جانبها حددت أسعارها بأدني سعر ممكن في المنطقة العربية كي تصل قنواتها المشفرة للمواطن المصري، فمن 60 جنيها (12 دولار) قبل خمس سنوات إلي 90 جنيها( 16 دولار) قبل ثلاث سنوات، وصولا إلي 120 جنيها( 23 دولار) قبل عامين و 330 جنيها (60 دولار) أخيرا بعد أن وصلت قنواتها المشفرة إلي عشر قنوات، هذه الإشتراكات سنوية، أعود وأكرر سنوية ، بمعني أن المواطن المصري قادر علي متابعة نحو 10 دوريات كروية عالمية ونحو 5 بطولات عالمية وإقليمية في مقدمتها كأس العالم والأمم القارية المختلفة مقابل ما يقل عن الجنيه يوميا للعشر قنوات.

الجزيرة الرياضية في تدني أسعارها تبدو وكأنها تتحمل عن المواطن المصري تبعات "جباية" الشركة المصرية الحكومية المتحكمة في البث، ورغم ذلك، تقدم الشركة المصرية في عصر "الريالةـ الريادة المصرية" أسؤ مستوي خدمة في العالم، حيث أنت مضطر شهريا للإصطفاف في طوابير مئوية لإعادة بث قنواتك المدفوع ثمنها سلفا.

علي الجانب الآخر، يبدو إتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري هو آخر حصون عصر الإعلام الشمولي المصري، فهو المتحكم في نحو 20 قناة أرضية مصرية يملكها ويديرها برؤية حكومية سياسية تعلي من شأن الدفاع عن "أفكار ومصالح وسياسية مصر الريادة"، يتحكم بذلك الإنفراد الرأسمالي في أكبر بيزنس إعلاني في دولة يبلغ عدد سكانها النيف وثمانيين مليونا، يضع أسعاره الإنفرادية والإحتكارية علي المعلنين، يضخ بملايين الإعلانات شرايين جهازه البيروقراطي السيادي الفاسد، يتحكم عن قرب وبفجاجة خطاب مصر الإعلامي حتي لو كان عبر قنوات خاصة كدريم أو أو تي في أو المحور، فبضغطة من مبني ماسبيرو(مقر الإتحاد) أو من مقر القمر الصناعي تسقط إشارة أي قناة إذا ما خرجت عن الحدود، ببساطة جري تحويل البث الفضائي الخاص إلي نسخة محلية ذات إمتيازات من البث الأرضي، فمالكو القنوات هم أنفسهم رجال أعمال النظام، ومثلما ترييف المدينة، جرت "محلنة الفضاء".

في مجال كرة القدم المحلية المصرية، إنفرد إتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري بتسعير مباريات الدوري المحلي للقنوات الخاصة الفضائية المصرية، بيع الدوري المصري(آخر مايملكه جهاز بيروقراطية الدولة السيادية) يملايين الدولارات، تعنتت الدولة في حقوق الأندية وإنفردت بالبيع جملة وقطاعي للدوري الذي تتابعه الملايين، والنتيجة، لاحقوق حصرية إلا لماسبيرو، يعطي من يشاء ويمنع عن من يشاء بالسعر الذي يحدده.

هكذا تتعامل رأسمالية الدولة الهرمة وقد إنفردت محتكرة وعي جماهيرها ومشاجراتهم علي الأهلي والزمالك والإسماعيلي، فماذا تفعل مع منتخبها الذي سيركب طائرة ويخرج من مجال البث المحلي المحتكر؟
فضح مدير قنوات الجزيرة وهو يلقي ب"حسنة البث المجاني " الدولة والنظام المصري، كشف علي الهواء ، وعبر بيان عمم علي وسائل الإعلام، تفاصيل المفاوضات الثلاثية الجولات التي كان الجانب المصري خلالها يتقدم ويشكر ويتمني ويوافق ثم يتراجع عند التوقيع لأنه لم يصل إلي ممولين إعلانيين يغطون الـ30 مليون دولار، نعم ، الدولة تبحث عمن يدفع لها حقوق البث كسمسار لا أكثر، بل كسمسار يبحث عن نسبته في الخدمة التي من المفترض أن يدفع ثمنها لإشغال جماهيره المليونية بالوهم الكروي.

لم يسكت الرجل، بل أكمل إجهازه علي فساد دولة "تتباهي بشعر بنت أختها" عندما أعلن تحميل مسؤلية عدم بث مباريات المنتخب المصري لنظام دفع الملايين كي تشاهد جماهيره الغفيرة مباريات كأس العالم التي لن يشارك فيها المنتخب المصري أصلا، وهنا أنطلق الكورس، في الصحافة المصرية، في الفضائيات الخاصة، ببغاوات الحديث عن مؤامرة علي السور العازل المصري في غزة، وفيما وصلة الردح مستعرة، تكرمت الجزيرة، وتفضلت علي الجماهير المصرية اليتيمة بلا أبوة نظام ببث المباريات مجانا علي قناتها الأرضية، بل والأنكي بمجموعة إعلانات مصرية هرول بها المعلنون في آخر لحظة كي لايفوتهم الحفل المليوني، بمعني آخر ذهب المعلنون إلي الجزيرة ودفعوا الملايين لشراء فترات الإعلان أثناء المباريات المصرية بينما ظلت الدولة تزبد في خجل وتهرول في قنواتها الأرضية لسرقة اللقطات من الجزيرة الرياضية كالعادة و"يادار ما دخلك شر".

قلب الجزيرة الرياضية كان "أحن" علي الشعب المصري من سماسرة نظامه الإحتكاريون، ولكن نقطة نظام، كيف أدار النظام من طرفه الضعيف بلطجة المبتز الصغير؟

خلال أيام المفاوضات المتعثرة، وعلي أنغام كورس الردح، قامت الشركة المصرية للأخبار بتعطيل خدمة الجزيرة المشفرة قبل البطولة بأيام، تنتقم إذا الدولة ممن يستطيعون دفع الخدمة المسبقة، بل إنها صورت إحتشاد الالاف منهم ثائرين في شوارع القاهرة للضغط بالجماهير علي الجزيرة الرياضية، أي أنها ببساطة رهنت مشاهدة من دفعوا بمشاهدة من لم يدفعوا، وعندما أذاعت الجزيرة أولي مباريات المنتخب الأسبوع الماضي، وبعد دقائق من التأكد من إستقرار الناس ممتنين للجزيرة أعادت توصيل الخدمة في القنوات المشفرة للمشتركين!

فالنقولها مرة أخري، أجلست الجزيرة المصرية طفل النظام الأبله وجماهيره علي "البيديه"، ألقمته الرضعة من ببرونة، ودعتهم للتجشؤ. ألم أقل لكم ، ليست مجرد إستعارات، إنها الحقيقة، صحة وعافية ياحبيبي.