سيبونى اتوه

كائنا ما كان ألا أوجد كان هو الأفضل

السبت، فبراير ٢٤، ٢٠٠٧

أزمة هالة وأخواتها.... نجاح منقطع النظير للكباريه التليفزيوني


في أزمة هالة وأخواتها .... نجاح منقطع النظير للكابريه التلفزيوني
متقولش أيه إدتنا مصر .... متجبش سيرة مصر علي لسانك خالص
هاني درويش



عرفت مصر من بداية الثمانينيات حقبة مسرحية شهيرة سميت بمسرح الكباريه السياسي ، كتعبير فني تجاري عن شكل العلاقة بين الفن والسياسة بعد سنوات طويلة حرمت فيها الفنون من التواصل مع الأمور السياسية بشكل مباشر ، وكان هذا التواصل المتأخر نتاج ضرورات التحول السياسي التي دشنها الرئيس مبارك مع لحظة توليه الحكم ، فظهر أباطرة المسرح التجاري في تلك الفترة وهم يلبسون نصوصهم مسحة سياسية تجارية ومسطحة إلي أبعد الحدود ، كوميديا حولت الرموز السياسية إلي شخصيات فجة صالحة لإنتزاع ضحكات لا نهائية من مشاهد وقف وعيه السياسي عند حدود تشخيص المسرح ، بعد أن إنغلق أفق التغيير في الواقع بتجربة حزبية معارضة غامضة وكوميدية هي الأخري ، الثمانينيات كانت إذن التعبير البدائي عن العلاقة غير الناضجة كالعادة بين فنون جماهيرية ولحظة تطلب سياسي لديمقراطية جنينية حاولت أن تعادل بالمسرح ذا الصوت العالي تبشيرها بعصر سيصطلح عليه لاحقا شعار "العصر الذي لم يقصف فيه قلم " ، وإستغل المسرح تلك المهمة خير إستغلال حيث تحول ومنذ تلك اللحظة إلي ساحة لإستعراض خطاب فضفاض ومباشر عن الحرية والديمقراطية علي خلفية نصوص ساذجة وكوميدية، إنتهت تطلبات وتفاعلات تلك المرحلة بتجارب شبه جادة مسرحيا كما قدم محمد صبحي في تجاربه مع لينين الرملي ، وتعبير شبه جادة هنا هي توصيف لمشروع صبحي / لينين الذي مزج حقيقا بين الدراما ومستوي من النقد السياسي أرقي كثيرا من كل التجارب المحيطة ، فيما لعب التلفزيون ومنذ بداية التسعينيات دور المسرح كساحة تفاعل منضبطة لحدود تعبير الفن في نقده السياسي والإجتماعي ، بجماهيرية أوسع وبنفاذية لا شك في إمكاناتها ، وبتعميم الخطاب لشرائح متنوعة ، ولعبت الدراما التلفزيونية دورا أكثر بروزا في التكيف مع سقف التطلبات السياسية الحرجة ، مسلسلات شهيرة تعالج أرق اللحظة السياسية ممثلا في شبح الجماعات الإسلامية المسلحة ، نقد التحولات السياسية الاجتماعية لفترة الانفتاح الاقتصادي ، إستعراض تاريخ الصراع المخابراتي بين مصر وإسرائيل ، والمفارقة كانت كبيرة بين تلك الموضوعات وواقع التحولات الحقيقية الحادثة في الشارع السياسي ، قمع منظم لكل التيارات السياسية علي خلفية الصراع مع الإسلاميين ، أكبر عملية تحول إقتصادي عبر برنامج للخصخصة بأضعاف ما حدث في الإنفتاح الإقتصادي ، دور مصري فعال في توسيع الصلح مع إسرائيل لتدخل السلطة الفلسطينية دائرة مدريد وأوسلو ، بمعني أن التلفزيون بدراما مسلسلاته الجماهيرية لعب دورا هاما في التمويه علي علي عمق التحولات الواقعية بسحب الخيال الجماهيري إلي نقطة تاريخ ذهبي للوطن الديمقراطي ( الذي ينقد السياسات السلبقة عليه من دعم للإسلاميين علي حساب التيارات الأخري ، ومن إنتقاد السياسات السابقة عليه بعمق التشوه الإنفتاحي ، وإستعراض الدور الوطني لمصر في عداء إنتهي واقعيا مع إسرائيل فكثيرا ما إنتصرنا عليهم في ساحات أخري ) ، هذه المقدمة الطويلة في إعتقادي هامة لفهم المشهد الأخير من مسلسل أزمة الإعلامية هالة سرحان وحلقاتها عن بنات الليل ، والتي إتهمت فيها هالة بتأجبر وفبركة مقابلات إدعت فيها فتيات انهن يمارسن الدعارة فيما هن بنات مستأجرات لأداء الدور تمثيليا ، فغير بعيد عن المراقبين أن الحملة التي طالت هالة وأخواتها قد إستعمل خلالها خطاب " تشويه سمعة مصر " الذي بات الرد الرسمي المصري علي حالة الإنفتاح الإعلامي الفضائي الذي طال الظواهر السياسية والإجتماعية والثقافية المصرية لأول مرة بعد فترة طويلة من تخصص الإعلام المصري في ضبط الصور المبثوثة عن مصر عبر فلتر أو مرشح قنواته الأرضية والفضائية ، الفضائيات وعالمها المتشكل والمتشابك إستطاعت أن تخضع مصر ذلك الوطن الكبير والغامض لزاوية جديدة من الروئية ، إهتمام مبالغ فيه بحجم القوي الإحتجاجية الجديدة النامية مع حراك سياسي مجهض الفضاء ، لدرجة وصف فيها البعض تلك الحركات بأنها حركات فضائية العدسة لا أكثر مترافقا مع نخبوية خطابها وجمهورها ، إهتمام ملفت بالظواهر الإجتماعية والثقافية التي وجدت لأول مرة شاشتها التعبيرية حتي لو تعاملت تلك الشاشات من واقع أن مصر علي أنها بلاد الكرنفال الإسطورية ،وفي كل تلك الملامح الجديدة لصورة مصر الفضائية لجأت الدولة لتكنيكين شهيرين مثلا قمة تفاعلها مع الصورة الجديدة والمشكلة ، أولهما تكنيك الإنكار وهو ما تقوم به عبر إعلامها الفضائي الرسمي ، وتكنيك المواجهة بشعار " تشويه صورة مصر " الشهير ، الإنكار يصلح كتكنيك تراكمي يواكب مرحلة جمع المعلومات ومحاولة فهم الخصم الإعلامي ، والمواجهة هي ضربة اليد العنيفة علي مائدة التفاوض إيذانا بإنتهاء وقت اللعبة ، الأول يراهن علي تشكيك الجمهور في كم ونوعية المعلومات المبثوثة إليه بعيدا عن فلاتر الترشيح ، والثانية تمثل حملة تجييش وتعبئة جماهيرية لحرق تلك القناة أو تلك المذيعة في أتون الدفاع عن وطن هش قابل للتقويض بدقائق من الميديا الحراقة .المثير في أزمة هالة سرحان أن تطور شهرة الهالة الإعلامية حولها إرتبط في مشوارها الإعلامي بتحول نوعي حدث في طبيعة موضوعاتها التي تعالجها عبر فضائية روتانا ، تطور يعود لا لمقوماتها الإعلامية المتوسطة الجودة ولكن أيضا في شراكتها علي مستوي إعداد الحلقات مع جيل من الصحفيين والباحثين المنتمين إلي فضاء الحركات الإحتجاجية الجديدة ، معدون هم رؤساء تحرير لصحف مستقلة تمارس شغبا صحفيا أشبه للكباريه السياسي الورقي ، مدعوم بإستغلال برجماتي لرؤوس أموال تحاول البحث عن فضاء صحفي لتطلعاتها السياسية ، وائل الإبراشي رئيس تحرير صوت الأمة وإبراهيم عيسي رئيس تحرير الدستور ووائل عبد الفتاح مدير تحرير الفجر ، كل هؤلاء أعادوا لهالة سرحان مسحة جدية لموضوعات حلقاتها التي أدمنت لفترة منطق التهليل لنجوم الفن الجيد منهم والردئ ، معهم عرفت هالة سرحان طباع مدرسة روزاليوسف الصحفية في نسخة فضائية ، خليط حريف لاذع من السياسي والجنسي والديني الذي لايشفي جوعا ولا يثمن ثورية ، وبما أن طبيعة هالة وقناة روتانا لن تسمح بالمسحة الدينية ، وبما أن برنامجها أخف من التعرض لموضوعات سياسية جادة ، بقي الجنسي من الخلطة هو المتاح ، العادة السرية عند النساء ، فتيات الليل ، علاقات البنات و الأولاد علي خلفية مجتمع يعاني من إزدواجات عنيفة في التعامل مع عوراته الأخلاقية ، مجتمع يمثله مشاهد سينتظر طويلا الحلقات ليمارس أمامها إستمناءا فكريا ثم يصحوا باكرا ليسب إنحلال مقدمها ومعدها والمشاركين فيها ، خاصا إذا ما تزامن ذلك مع معالجة تلفزيونية مسطحة وساذجة تستثمر هذا الإزدواج لأقصي حدوده ، فلا هالة اخلصت لتناول جاد ومهني مع قضية بنات الليل كان من الممكن أن يجعل المدافعين عن حرية الرأي والتعبير يوالون قضيتها ، ولا المهاجمين لها إستطاعوا أن يجدوا مدخلا سوي شماعة " تشويه سمعة مصر " ، والجميع يعلم أن هناك ثمة خيط رفيع بين تكنيكي المواجهة النظامية للإعلام المختلف مع الدولة ، تجاوزته هالة عندما تحدثت فتياتها – تلقينا أو حقيقا – عن إستغلال ضباط الأمن لأجسادهن في إطار شبكة فساد تربط قوانين الليل ضمنيا بفساد أجهزة الشرطة ، عند هذه النقطة لامست هالة حساسية أصيلة عند أجهزة بعينها تتوالي عليها الضربات والمراجعات في الفترة الأخيرة ، ومن ثم تم إشهار كارت " تشويه سمعة مصر " ليس لصالح بنات ليلها الصادقات أو الكاذبات ، وإنما تشويه سمعة أجهزة الأمن في مصر ، وبما أن الألعاب هي بين أجهزة مستثارة الحساسية لا تجاه هالة وحدها وإنما تجاه من هم خلفها ، كان لابد أن يتم التناطح والفضيحة عبر فضائية هي علي العكس– المحور – موالية للنظام ، حيث تعود نسبة كبيرة من أصولها لملكية التلفزيون المصري ، وعلي الواجهة رجلي أعمال موالون للدولة قلبا وقالبا ، مجال المناطحة الفضائية محكوم بمساحة الفعل ورد الفعل علي شاشات الفضائيات ، هالة من جانبها سلمت للنائب العام أصول شرائط الحلقة قبل مونتاجها لتؤكد أن الإعترافات التي قاموا بها هي نسبة ضئيلة من أصل الحكاية ، وإن كان القاصي والداني يعلم صعوبة إحتفاظ القنوات بأصول مادتها قبل المونتاج أللهم إلا لو كانت تعلم مسبقا بالتبعات الكارثية المتوقعة لحلقة من ضمن سلسلة لنفس الموضوع ،هالة سرحان ولإدراكها أن اللعبة يشاهدها الآن مشاهد واحد في صراع تلك الأجهزة ، وصلت بمسرحية أدائها إلي أقصي درجات الكابريه السياسي عندما ناشدت عبر فضائية الأوربت علي الهواء الرئيس مبارك وتحت يافطة " لم يقصف قلم في عهده " ناشدته أن يستمر في إجراءاته الديمقراطية ،ووسط دموع تنهال أنهت كلمتها بنصيحة أم وطنية خارجة لتوها للجهاد – ويالا للمفارقة – يا محمد يا أبني حب مصر كثيرا كما أحبتها أمك ،هكذ ربما نصحها مستشاريها الأوفياء ، أن توجه بيدها الضربة الأخيرة لا أن تستسلم للضربات ، أو كما يقول المثل المصري " اللي مالوش كبير يشتري له كبير " المؤكد أن أزمة هالة ستمر بهدؤ ودون مزيد من الضجيج ، فمن قدموها للمحاكمة يدركون حدود لعبة الحرق الإعلامي ، وهي تعلم أن " قرصة الأذن " هذه المرة كانت دامية ومؤثرة ، ومن خلفها سارعوا لإستئجار محامين للدفاع عنهم إن إنقشع ستار المواجهة ، والفصول الدرامية الإعلامية للكباريه التلفزيوني مرشحة للتواصل بنجاح لمواسم أخري ، أو علي هيئة تحايا الأفراح يقف علي المسرح ممسكا بميكرفون أحد الطبالين قائلا : سمعني سلام .. متقولش أيه أديتنا مصر ونقول حندي أيه لمصر ... ياه ياه حبايب مصر " لأن هؤلاء جميعا بالفعل ... حبايب مصر