سيبونى اتوه

كائنا ما كان ألا أوجد كان هو الأفضل

الجمعة، ديسمبر ٠١، ٢٠٠٦

من سيدني إلي شارع طلعت حرب ... مسافة في خيال الأزمة

تقمص الشيخ تاج الدين الهلالي المصري مشهد الخطيب في أحد مساجد ضواحي القاهرة العشوائية وهو يقف أعلى منبر مسجد في سيدني. أراه وهو يغمز بعينيه لجمهوره من الجالية الإسلامية في أستراليا. لن يتحدث هنا كما كان سيتحدث لو صعد منبر زاوية ضيقة بحي شبرا الخيمة القاهري صاخباً ومجلجلاً الأرض من تحت أقدام المصلين بالشيطان الأقرع الذي يبلغ طول ذنبه مئات السنوات الضوئية ليضرب رأس الديّوث الذي سمح لزوجته أن تخرج حاسرة الرأس. لن يتحدث عن المسيحيات الكافرات اللاتي يغازلن فتوة الشباب المسلم بصدورهن العاريات. سيغمز فقط بعينه فيما يبتسم إبتسامة تشف بالتواطؤ كما في هزليات الأفلام الدينية عندما نستحضر صورة المشركين بحواجبهم الكثيفة وهم يتآمرون على المسلمين صائحين كما قلدهم اللمبي في فيلمه "فلنأخذ من كل رجل قبيلة". تحدث الشيخ المفتي والهارب من مصر بفضيحة قضائية مالية عن كيف أن الشباب المسلم يقع مغلوبا على غرائزه في حبائل "اللحم المكشوف" لأستراليات خرجن بلحمهن المحمّر بحثاً عن مسلم تقي لإغوائه بإغتصابهن. الرجل لايكذب، إليست كل نساء العالم يسقطن في حبائل غواية المسلم؟ إليس هؤلاء الجالسون أمامه هاربين من دولهم تحت حمى العفة الجنسية؟ ألا يتناصوا جميعاً مع معنى رسالة أحد أصدقائي المهاجرين حديثاً إلى أستراليا والذي أقسم لي مبهوراً في أولها أنه يعيش في مدينة تبلغ فيها نسبة الرجال نصف نسبة النساء فأسال لعاب نصف أصدقاء المقهى؟ الشيخ تاج الدين، في ما أعتقد، يعلم جيداً فيما هو، يعطي رخصة الأغتصاب الدينية النفسية، مأزق رجاله من المتديّنين الجدد، من الشباب العربي الذي هاجر إلى أوروبا وأستراليا وأمريكا واعداً نفسه بفتوحات إيروتيكية تتسق مع حجم إحتقاره للغرب والمرأة معا، الغرب ونسائه، هكذا يسري في الخيال الشعبي ذلك الربط المتهافت بين المرأة الغربية والغواية.الغواية ليست هنا بمعناها الإيروتيكي الفني بل بمشهدية الإغتصاب الدامي، مشهدية الشرق المتباهي بقواه الجنسية الوهمية في مواجهة شبق النسوة الغربيات اللانهائي. علاقة من إنعدام الثقة في النفس تتباهي بمازوخية قتل الآخر جنسياً. يعرف الشيخ الذي تشبه صوره صورة الشيخ كشك السبعيني المتطرف الشهير أن من بين جمهوره بعضاً من جمهور عصابة بلال سكاف في سيدني والذين أتهموا بتدبير حملات إغتصاب جماعية منذ عام 2000 والمحكوم عليه بعد الرأفة الأسترالية ـ والتي لايستحقها ـ بـ 18 عاماً يقضيها في أحد السجون العمومية. يعرف الغامز بعينه من أعلى المنبر كيف يصيب مهمشي سيدني المسلمين والباحثين عن هوس الأنتقام الشرقي في مقتل. إنه الغرب يا أبنائي الذي إخترتموه فإذا كانت تلك هي الضريبة لتندمجوا لاتخرجوا من المساجد إذن، لاتتفاعلوا ولتلزموا البيوت فعلى النواصي نساء بعيون حمر شبقية سيخطفن إيمانكم. فإذا ما حدث فأنتم الضحايا لا هم ـ ربما يبكي هنا الشيخ تأثرا على ضحاياه ـ هكذا تحدث الشيخ بين سطور كلماته التي لن يقرأها غير جمهوره.ذهنية الشيخ المتباهي بإغتصابات عشيرته لا يمكن أن تضاهي ذلك الخيال الخصب الذي إنبعث وهاج بعد ساعات من خطبة سيدني في أحد شوارع القاهرة. فالمسافة بين سيدني والقاهرة ليست كبيرة كما تقطعها الطائرات. المسافة الذهنية أضيق مما نعتقد مضافاً إليها فقط إكسسوار القهر والفقر والجهل الذي لم يسمح لجماهير الأغتصاب العلني في شوارع القاهرة بتبرير جاهز يقدمه لهم مفتي ديار دولة من العالم الثالث. ففي أول أيام العيد ـ وربما بمراعاة فروق التوقيت تتوازي اللحظة ـ خرج المئات للإحتفال بالعيد في حفلة إغتصاب جماعي مفتوحة عند تقاطعات شوارع عبد الخالق ثروت وعدلي و26 يوليو بشارع طلعت حرب، المارون قبل حفلة التاسعة مساء بدور عرض راديو وميامي لاحظوا ذلك التجمهر الكبير لمراهقين أمام السينمات بعد أن سرى كما النار في الهشيم عبور أبطال فيلم "عليّ الطرب بالتلاتة" فوق عربة للترويج للفيلم. إنتظر الجميع ظهور الراقصة دينا الشهير بما قل ارتداؤه وعظمت فوائده الجنسية مساء. إنتظروها لتمر وهي ترقص في كرنفال إنضم إليها فيه المطرب الشعبي المتهتك سعد الصغير و زميله ريكو، شاحذين خيالهم البصري لخروج قنبلة الإغراء من على الأفيش حية ترزق وتتلوى. فأطلت دينا وحمتها قبضات البودي غاردات من تدافع المراهقين المهتاجين. دخلت دينا السينما فتفرغ الشباب الذين لم يستطيعوا الحصول على تذكرة لدينا ـ عفواً للسينما ـ تفرغوا لتحطيم واجهات دور العرض ربما تفريغا للطاقة التي لم تجد منفذاً لها. بدأت الحفلة في الداخل وأبى المتلطعون بالمئات على النواصي ألا يكون لهم حفلهم الخاص. تربصوا بالعشرات فوق الأرصفة وبين السيارات المحشورة في زحام وسط البلد لأي فستان قد يعبر على شماعة ـ هكذا يصف المصريون من يهتاج على أي إمراة دون مراعاة لجمالياتها ـ. تربصوا تحت حمى سعار جماعي لمجموعة ذكورية خام، فلا وجود في إزدحام سينمات العيد في وسط البلد منذ أعوام لأي بنت. مجموعات من أبناء الضواحي البعيدة العشوائية تنسموا في وسط البلد البعيد نسبياً إحتفالاً بخروجة العيد وصرف العيدية الصغيرة على السينمات الباقية بتسعيرة العشر جنيهات. التسكع أمام الفترينات والمقارنة بين أسعار ملابسهم المبهرجة وأسعار محلات وسط البلد، بعضاً من الآيس كريم الرخيص وتمشية حتى الكورنيش هي غاية تلك الجماهير في عيد الفطر، لكنها الغاية التي أكسبتها تهويمات التنويه عن الأفلام الراقصة وأسلوب الدعاية السيركي المبتكر لآل العدل ـ منتجو الفيلم ـ بعداً إهتياجياً خاصاً، حيث هناك إمكانية وسط هذا التدافع لنيل شرف ملامسة دينا الخيالية. دينا الخيالية حماها حرسها الشخصيون لكن الفتيات العابرات صدفة في تلك الليلة لم يحمهن أحد. يتحدث شهود العيان عن عشر حالات على الأقل كلهن فتيات محجبات ـ إثنتان خليجيات على الأقل بملابسهن السوداء ـ ربما فيما يخص المصريات كن من العاملات بمحلات الملابس في وسط البلد، أو بعض الخارجات للفسحة. تجري العشرات فيما يشبه السباق بعد أن يصرخ شخص من بعيد "لحمة" ليحطن بالفتاة ويبدأ الجميع وفي نفس التوقيت بالعبث في جسدها ومحاولة تمزيق ملابسها. دوائر متتالية من الضيق إلى الأوسع فيما الفتاة إما في منتصفها أو مجبرة على الركون إلى حائط. بعضهن كن يسقطن أو يجرين فيسقطن حتى دخول أي محل مفتوح أو مدخل عمارة. الفضاء في الشارع تحول إلى حفل إصطياد تتباري فيه قطعان مسعورة على تعذيب ضحاياه وبحمي التواطؤ المشترك كان الجميع إما متفرجين من بعيد أو مارة محوقلين. فهذا الهياج لمئات ربما يتحول إلى مذبحة لأي من مدعي الشهامة. أين الشرطة؟ تقف على النواصي القريبة في حراسة البنوك والفنادق. لاتتدخل ضد الجماهير إلا في التظاهر السياسي، وربما شاهدت المشهد بالكامل كعرض مسرحي لحيوانات أدنى من يتدخل أحد لوقف مهازلهم.إستمر هذا السعار ما يزيد عن الساعتين دون أي تشويش عليه أو معارضة من أحد. ثم إنتصف الليل وإنسحب القطيع إلى زرائبه البعيدة وهو يحمل حكاية للتفاخر بين أقرانه. القطيع كان يضم من الأطفال ذوي العشر سنوات حتى المتبطلين والصنايعية في الثلاثينات، شريحة عمرية ممتدة متمازجة إجتماعياً وإقتصادياً وسياسياً. إنهم القادمون من خلف الأسوار البعيدة عند مشارف قاهرة جديدة تتمدد في برك المجاري والمياه الملوثة والتطرف الديني وأخيرا الكبت الجنسي الباحث عن ضحية. والضحايا لسن لحماً مكشوفاً يغري بالاغتصاب، والمغتصب بنسبة 90 % يستمع إلى خطبة الجمعة ويصلي فروضه الخمس ويضيق على إخوته البنات في ضرورة إرتداء الحجاب، المغتصب بنسبة 100% خارج لتوه من الشهر الكريم الذي لابد وأنه إحتفى به بإطالة ذقنه وإقامة الليل كما تؤكد النسب على زيادة المد الديني الشكلاني في تلك البيئات. المغتصب ربما يجلس أمام شاشات الفضائيات بالساعات لسماع الفتاوى الطائرة. المغتصب يملي عينه ليل نهار في كل الشوارع في شعر مكشوف أو بدي إستوميك على حجاب وبنطال، أو في حجاب يشف بخيال ما تحته من كنوز مخفية بإحكام لتزيد سعاره في التخييل إلى ما لا نهاية. المغتصب قابع في الزوايا لاينتظر لحظة الضعف أو الغواية ليشرع عدوانيته. نحن هنا في حل من ذكر إحصاءات العنوسة وتأخر الزواج في مصر، أو الحديث عن البطالة و إنخفاض الدخل، نحن هنا لانتحدث عن أحزمة سكان مصر الأصليين القابعين بين الشقوق وعزب الصفيح والمقيمين في المقابر. نحن هنا مضطرون لوصل ماهو ببعد سيدني حيث يقف إمام مهووس بالتطهر العرقي والتبرير الديني وبين جماهير قريبة في شارع طلعت حرب خرجت لاصطياد طرائدها في طقس باخوسي. مفتي أستراليا ورجاله، عودوا من حيث أتيتم. فقطط الوطن في أشد الاحتياج إليكم هنا، فنحن لن نفتح العالم بفتح أزرار بناطيلنا.