سيبونى اتوه

كائنا ما كان ألا أوجد كان هو الأفضل

الأربعاء، أبريل ٢٨، ٢٠١٠

طبقة وسطى جديدة في مصر ولو كره الثكالى هاني درويش


يبدو أن بعضا من خرافة اندحار الطبقة الوسطى في مصر قد انقشع من حوله الضباب. تلك الخرافة التي روج لها ثكالى مؤرخي الدولة القوية في تأويلهم لمآلات مصر بعد حقبة السبعينيات، بعد أن روعهم خروج الدولة من النشاط الاقتصادي لصالح قوى الاستثمار الجديد، والتي في رأيهم لم تؤسس بنى تنموية تعوض غياب الدولة، ومن ثم انطلقت قوى السوق بلا رادع لتعيث فساداً فيما خلقته تجربة رأسمالية الدولة الناصرية من تعريف جامد للطبقة الوسطي، تعريف يستمد قداسته مما قدمته تلك التجربة من تعليم مجاني، وإعادة توزيع الثروة، وطفرة في مجالات التوظيف في الدولة.

وفقاً لهؤلاء الثكالى، يبدو نمو طبقة وسطى جديدة خلال عصر الرئيس مبارك أمراً عصياً على التصديق، لكن مجمل مؤشرات الحياة الاقتصادية والاجتماعية تؤكد حصول ذلك، بل أن بعضاً من الخرافة التابعة المتعلقة بهذه الطبقة ووعيها المنحط لابد من مراجعته، خاصة إذا ما اعترفنا بأن شريحة لا بأس بها من تلك الطبقة الجديدة نمت خارج علاقات الاستزلام السلطوي، أو على الأقل بعيداً عن المصالح المشتركة للطبقة الحاكمة. إذا اعتبرنا توصيف مصر بالدولة الريعية الضخمة، والتي تستمر أزماتها مكتومة تحت حجم المدخلات الاقتصادية غير الإنتاجية، وإذا اعتمدنا مؤشر نمو النشاط التجاري الخدمي على حساب الصناعة والزراعة، كانت المحصلة وفقاً لهذا النمط من التفكير استقطاب عنيف بين قمة وقاع الهرم الطبقي. رغم أن هذا الاستقطاب يزداد حدة إلا أن المسافات البينية بين طرفي الاستقطاب تمتلئ يوماً تلو الآخر بشرائح متراكمة ومتداخلة.

مثلا، القطاع الخدمي المتهم من قبل منظري اليسار التقليدين باللاسياسية وانعدام وعي منتسبيه، يبدو وكأنه الأكثر ثورية في هذه الأثناء، فهو قطاع نما منذ بداية التسعينيات وفقاً لشروط رأسمالية في التوظيف والتنافس، اعتمد على خريجي التعليم الخاص، واستلهم معايير العولمة ومتطلباتها التنافسية. أتحدث هنا عن الميديا والصحافة والاتصالات والإعلانات وخدمات الكومبيوتر، وتحتها اقتصاد كامل لم يدخل إلا في ذراه العليا في علاقات سلطوية، فيما حافظ على معايير الرأسمالية في بنيته الداخلية، أي أنه حافظ على مبدأ الطموح، لكن ضيق السبل الصاعدة لأعلى جعل منتسبيه يتململون.

تزامن ذلك مع ميل إلى مركزة السلطة الاقتصادية والسياسية في شريحة تتقلص يوماً تلو الآخر داخل الطبقة الحاكمة، وهذا ما يعني انسداد شرايين الحياة لتلك الفئات الوسيطة التي اصطدمت باليد المجهولة التي تطردها لأسفل وللخارج، وما اجتماع 500 شاب مصري في الكويت للإنضمام لجمعية البرادعي إلا مؤشر أولي.

أين نري تلك الطبقة الآن، أو شرائحها العليا المتململة؟ نراهم يتدافعون لحجز سيارات جديدة عبر البنوك، نراهم يتجولون في مناطق السكن الجديدة بقوى شرائية مرنة، نراهم عند بوابات المولات يدفعون شنطاً مهولة بالمواد الاستهلاكية، هم بعض ممن رفعوا توزيع صحيفة شابة كالمصري اليوم القاهرية إلى ربع مليون نسخة، هم من خلقوا ظاهرة علاء الأسواني الأدبية، هم من يدفعون 100 ألف جنيه مصري اشتراكاً في الأندية الخاصة الجديدة، هم مئات الآلاف من ملايين تستهدفهم صناعة الإعلانات المصرية الصاعدة باضطراد، وهم آلاف في منتديات الفيس بوك يدعمون البرادعي، وبين عشرات ممن قبض عليهم في يوم 6 إبريل الجاري، بل هم من لأجلهم ظهر الدعاة المودرن، هم بعض من روابط الأندية (الألتراس) الجماهيرية، هم ذرافات يقدمون لأبناءهم في مدارس وجامعات التعليم الخاص والأجنبي.

سيرد بعض هواة قتل الأمل، وما حاجة التغيير في مصر لمثل هؤلاء؟ هل هم واعون بموقعهم الطبقي والاجتماعي ومأزقهم الأخلاقي؟ هل هم قادرون على إحداث فارق وهم الأكثر خوفاً على مكتساباتهم، وهم المتشربون والمستفيدون من حكمة الإفساد المجتمعي؟ أسئلة منطقية بالطبع، لكنها متشككة أكثر من اللازم.

المركب المتناقض لتلك الشرائح لم يمنعها من إظهار الضجر بل واليأس، ويعلم المتابعون أن سيكولوجية "التأسي المصري على سوء الأحوال" قد طالتهم أخيراً، خاصة وأن سؤال المستقبل هو سؤالهم أكثر من غيرهم، فالطبقات الدنيا طورت وعياً التفافياً على الأزمة. ناهيك عن التهميش التاريخي للفقراء، فهم يتعاملون مع الحياة بوصفها اختبار مؤجل النتائج، كما يقدمه الدين الشعبي. أما تدين الطبقة الوسطي الجديدة البرجماتي وذو الملمح البروتستانتي فهو لم يخدش إلا السطح الهش من الأسئلة، بل هم متروكين لمواجهة السقف المتدني لطموحات الصعود، وهم لا يرون أنفسهم مختلفين أو أقل استعداداً من أمم معولمة منتجة ومزدهرة باضطراد.

علاقة هذه الطبقة بوسائل المعرفة الغير متحكم فيها هي المنشط الأساسي لطموحاتهم. أحدهم كان يحدثني كيف أنه ومنذ ثلاثة أعوام، عندما شاهد المرشح الجمهوري أوباما في برنامج أوبرا وينفري على قناة إم بي سي 4، لم يكن يتخيل أن أمريكا من الممكن أن تنتخب هذا النحيف الأسمر، وهو نفسه ومع عشرات من العاملين في شركة الإتصالات الكبري، سجلوا أنفسهم في الجمعية المصرية للتغيير. موقفه السياسي الضجر من "تدهور البلد" لا يختلف عن صاحب سلسلة محلات مطعام شهيرة في وسط العاصمة، طبع اسم البرادعي لأسابيع على إيراد مطاعمه.

فائدة هؤلاء الأساسية هي دخولهم لأول مرة مجال الاستقطاب السياسي، فالعمل السياسي في مصر ولسنوات طويلة كان مجالا لنخبة من المتخصصين موالاة ومعارضة، حيث تخصص الكلام في قضايا كبيرة جذرية وضد جماهيرية. بهذا "النفس الجديد" ربما ينحو الكلام أكثر نحو تعابير نحن في أحوج للحديث عنها، فعلى لسان صديقي الآن كلمات مثل الشفافية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي على الأقل وإن خرجت من على لسانه فهي ابنة معنى حقيقي دون آمال مضخمة أو يأس معمم، هي منضبطة لأول مرة على لسان طبقة ناهضة، ليست كلها على الأقل مستلبة، وعلى القوى السياسية الحقيقة أن تتعامل مع هذه الروح بجدية.

1 Comments:

  • At ١٢:٠٢ ص, Blogger Yaqeen said…

    المقالة دية عبقرية :) لأن فيها رؤية نافذة للي هيهصل في يناير 2011 :) والقصة لسة مخلصتش ... تحديدا ازاي الطبقة الصاعدة دية هتتداخل مع طبقات دنيا لها مصالح مشتركة وطبقات وسطى أخري دنية وحقيرة لها مصالح متشابكة معها و لكن بخطاب شديد التضاد و حياة يومية شديدة التنافر ... رائع

     

إرسال تعليق

<< Home