سيبونى اتوه

كائنا ما كان ألا أوجد كان هو الأفضل

الاثنين، سبتمبر ١٠، ٢٠٠٧

حين إهتم سكان الأدوار العليا بقدم أبو تريكة المصابة


في عمارة " كل الفائزين " الخسارة مؤجلة
حين إهتم سكان الأدوار العليا بقدم أبو تريكة المصابة
هاني درويش
تبددت أخيرا سحب الضباب وظهر الرئيس المصري وافر الصحة في أكثر من لقطة فوتوغرافية مستقبلا توني بلير والملك عبدالله ، لكن مابقي في الحلوق من مرارة ربما سيدفع الكثيرون للتعامل مع هذين الأسبوعين كذكري سيئة من الصعب التخلص منها ، كل الأطراف كانت تتمني عدم الوصول إلي هذه النقطة تحديدا ، وهي الإجابة علي سؤال ماذا يحدث للرئيس ، أو ببساطة أين الرئيس ، لأن هذه النقطة تحديدا وهذا التساؤل يعني ضمنيا الدفع بخيال المجتمع بكل طوائفه للإجابة علي السؤال الأكثر تعقيدا وهو " وماذا بعد الرئيس ؟" ، المصريون كثيرا ما إحتسبوا سيناريوهات متضاربة كلها مرجحة وكلها غير مرغوبة في لعبة الروليت الرئاسية التي إزدادت مخاطرها منذ ظهر علي سطح الأحداث السيد جمال مبارك منذ أربع سنوات ، وربما دون هذا الظهور المفاجئ والمبيت كان من الممكن لكثيرون عدم الإهتمام بمصير قمة النظام السياسي طالما ظلت الرئاسة شاغرة بعمر الرجل الذي تربع عليها لما يزيد عن ربع قرن ، أتحدث هنا عن الناس العاديون الذين وإن بدت تلك المؤسسة بعيدة عنهم وعن خيالهم وجدوها فجأة تنزل من عليائها لتصبح أخبارها شأنا عائليا ميكانيكيا ، فالرجل الكبير سيورث ولده المحل أو المنزل أو الشركة ، نزلت سيرة الحكم إلي المقاهي والشوارع والبيوت ، وبدت مصر الكبيرة بيتا عائليا تنطبق عليه قوانين الأسرة المصرية التقليدية ..... هل عني الإهتمام شيئا أكثر من ذلك ؟ لا أعتقد ، فالسيرة العائلية للرئاسة المصرية نقلت فقط الحديث عن الإله الفرعون إلي مستوي الحكاية الشفاهية لكن لم يعني ذلك للمصريون نزوله إلي مستواهم ، بمعني تحوله إلي شخص يمكن محاسبته أو مراجعته في أي شيئ، فالرئيس يبقي رئيسا ، والشعب يبقي شعبا حتي لو نزل الرئيس للعب الكوتشينة معهم علي المقهي ، لذا تعامل المصريون مع رد فعل النخب المقاومة للتوريث بكثير من اللاميالاة والشك ، اللامبالاة التي يختصرها عم محمد سائق التاكسي الذي حاولت إستفزازه للحديث فقال : ياعم ماهو الصول في البلد دي بيطلع أبنه صول ... مستكتارين ليه علي الريس أن إبنه يبقي ريس " ، والشك كما عبر عنه عم جلال النجار جارنا العزيز حين قال ردا علي سؤال حول الإشاعة : ربنا يقوم الريس بخير ... ما هو يابيه اللي نعرفه أحسن من اللي منعرفهوش " ثم أردف " يعني هوا مين ينفع يحكم البلد ... أيمن نور ؟ لأ دي كبيرة عليه قوي ... وبعدين إحنا ضامنين أن الريس شبع ...واللي جي منعرفش ممكن يعمل أيه ؟ " ، هذا طبعا غير الردود الجاهزة التي تؤرخ لقيمة الولاء الفارغة من معني أللهم إلا معني الخوف العميق مثلما قال عم فؤاد سفرجي المقهي المجاور : مفيش أحسن من الريس مبارك ... ربنا يقومه بالسلامة ... مين اللي حيجي ؟ أصحاب الدقون ..دول حرامية ..والله ياأستاذ أنا بقيت أشتري من نصراني ولا أشتري من واحد منهم ... دول مركبينها تركيب ويقولولك قال الله وقال الرسول وهما يصلوا الفرض وينقضوا الأرض " ...... هكذا تفاعل المصريون ببساطة مع شائعة تدهور صحة الرئيس ، علي عكس ما أدعته القوي السياسية التي رأت في صحة الرئيس هما شعبيا يحق للناس دستوريا ولأنهم منتخبيه الحديث فيه ، الأمر كان أقرب لعمارة ضخمة متعددة الأدوار تدور فيها مشاجرات في الأدوار العليا ويعلو فيها الصوت فيما الأدوار السفلي صامتة ولا مبالية ، ففي جميع الأحوال ستسير الحياة ، وليس هناك ما هو أسؤ من الواقع فلما الإهتمام المبالغ فيه ؟، ببساطة إهتم المصريون بحقن الفولتارين التي أخذها أبو تريكة قبل مواجهة الأهلي وأسيك أبيدجان في بطولة إفريقيا أكثر مما إهتموا بالجدل النخبوي عن صحة الرئيس ، هذا الجدل كان سيجد مبررا بين الطوابق الأرضية في عمارة الوطن لو إستطاع المصريون ربطه مثلا بقضية أسعار السلع وهم يستقبلون شهر رمضان ، أو ماذا سيفيدهم هذا الحوار فيما أبناءهم علي وشك دخول المدارس ؟ ، كل هذه الأسئلة البسيطة كانت أهم من سؤال صحة الرئيس ، خاصة وأن سيناريو الإشاعة وجد طريقه للتضخم والإنفلات منذ البداية دون أن يلقي بالا من مؤسسات الدولة المعنية بذلك ، فإعلام الريادة صمت ، والصحافة البيضاء ( القومية ) لم تهتز ، والرجال حول الرئيس علي مايبدو لم يصدقوا أن الشعب المصري مهتم إلي هذه الدرجة بصحة الرئيس ، ولأن فراغ التفسيرات للإختفاء الحصري للرئيس من مناسبات تقليدية لمواعيد ظهوره لم يقلق إلا النخب ، تعاملت المؤسسات المتحدثة بإسم الرئيس علي أن الشائعة ستموت بالقصور الذاتي ، وإستسلمت للسيناريو التقليدي الذي تعالج به مثل تلك الأزمات ، الصمت ، ثم الصمت ، ثم الإنكار ، ثم التهديد والوعيد علي صبرها المستنزف ، ثم البطش ، الصمت الأول إحتقاري ، والصمت الثاني لتقييم الموقف ، ثم الإنكار بهمهمة متعالية ، ثم التهديد بمنطق القط الذي يخمش بأظافره فأرا في زاوية ضيقة ، ثم البطش بعنف علي خلفية كورس ضخم من مطربي الصحف القومية الحكومية الداعية للإنتقام ، ظهور السيدة الأولي في حوار العربية مثلا كان علامة علي مرحلة التهديد ، بعد أن إلتقط مشعلوا الحرائق إشارات الصمت والإرتباك الرئاسي كان من الطبيعي أن يحيلوا الإشاعة علي المشاجب الجاهزة ، الإخوان وحماس ، ثم بعد نفي الأخيرين ، علقوها بتزامن علي السفير الأمريكي ، فنفي الأخير متبرما ، لذا أضطر الكورس للجؤ إلي أضعف الإيمان وهو هنا الصحافة المستقلة والمعارضة ، فقدم محامي مجهول من عشاق الكاميرات بلاغا ضد إبراهيم عيسي رئيس تحرير جريدة الدستور وتحركت باقي أجهزة الكوراس ، إستدعاء من نيابة امن الدولة وتحريض لهيبي من عبدالله كمال رئيس تحرير روزاليوسف علي خلفية طبول الإنتقام من صديق عمره ( إبراهيم عيسي) ، ثم أخيرا لعن الله الإشاعة ومن أيقظها عندما أفرج عن إبراهيم عيسي بقرصة أذن ، لتثبت الدولة ديمقراطيتها ويظهر الرئيس المطعون في شرف حياته مبددا ضباب الأدوار العليا للوطن .
كثيرا مع تأمل أحوال مصر أكاد أجزم أننا وطن كل الفائزين ، لاخاسر في مصر ، كل الناس تفوز وكل الناس سعيدة ، سكان الأدوار العليا كما سكان الأدوار السفلي ، وهو ما يؤكد لي أننا وطن الخسارات المؤجلة بإمتياز.

فساد الخرسانة يطيح بالواد " بتاع الوزير "


فساد الخرسانة يطيح بالواد " بتاع الوزير "
فاروق حسني ...هل يعلق قريبا من عرقوبه
هاني درويش

وقفت المذيعة الشابة علي سطح مسجد المؤيد شيخ الأثري عام 1999 تحكي عن تلك المفارقة الضخمة التي إكتشفناها في تقريرنا الإخباري الصغير الذي تخيلناه روتينيا فجاء مفاجأة بكل المقاييس، كنا قد تركنا الكاميرا تتحدث عن التناقض بين ما يقوله المشرف الأثري وبين ماشاهناه بأم أعيننا ، كان المشرف يحكي عن القواعد التي يجب مراعاتها عند ترميم أثر يعود لما يزيد عن الألف عام من ضرورة إستخدام مادة قريبة الشبه من مواد الحجر والملاط المستخدم فيما الكاميرا تنقل بهمة كيف كانت خلاطات الأسمنت لشركة المقاولات الشهيرة تردم ببرودة بقايا السور الأثري القديم والذي أبدع الأثريون في التفريغ حوله فيما عمال بملابث رثة يسون فوقه طبقات الخرسانة الخشنة ، من الداخل كان السور الجديد ينتصب بوقاحة رخامية باردة فيما إنتشرت في أرضيات باحة المسجد الواسعة مربعات خرسانية كأساسات إحداثية لمرحلة مد الرخام التالية ، لم يكن هناك مايدل علي أثرية المكان من الداخل إلا بعض القاعات التي كان بعض العمال يقومون بجلي رخام حوائطها ، هكذا خرجنا من المكان بوثيقة تهدم من الأساس ماتقوم به وزارة الثقافة من تخريب في مشروع القاهرة التاريخية المهول والذي تفتق به ذهن الوزير بعد التداعي الدرامي لأثار القاهرة القديمة الإسلامية بعد عام الزلازال الشهير أوائل التسعينات ، فهمنا أخيرا تلك الحيطة والشك الذي واجهنا بها شاب في منتصف الثلاثينيات قيل وقتها أنه سكرتير وزير الثقافة لشؤن القاهرة الإسلامية، كان إسم قناتنا الحكومية كفيل بفتح أبواب أعتي الوزراء لكن مقابلة المسؤل الشاب تطلبت أسبوعا وأخذا وردا طويلا عبر فاكسات مطولة، لدرجة أنني وقد هالني حجم التعنت والريبة والأسئلة المتشككة كدت أن أتراجع عن الفكرة من الأساس، الفكرة التي إنبثقت في زهني فجأة مع طول تجوالي بين منطقة باب زويلة والخيامية والتي كان مفادها أني وانا القاهري العتيد لم يتثني لي منذ سنوات مشاهدة هذا المسجد بعد أن سيجوه بهذه السقالات منذ سنوات طويلة بلا مبرر، بالطبع كنت أعرف ان هناك ترميما ، لكن خلف الهدوء المريب لسنوات لتلك الكتلة الكبيرة من حيز الشارع دون أي إنجاز ظاهرأكثر من معني ، أولها الغموض الذي حاول الباطون العالي تكثيفه فسد الشارع الضيق وجعل الحرم الخارجي للمسجد أقرب لفجوة زمن صامتة ومجمدة فيما ماقبله مرورا ومابعده أقرب لكرنفال ، ثانيا كان الحضور الحكومي القومي الممثل في يافطات بأسماء وزراء وشركات كبري للمقاولات في هذا الحيز الشعبي المؤمم ذو إحساس تشاؤمي ، فوفقا للحكمة الشعبية أيا جاءت الحكومة ( الدولة ) فهي علي حساب الشقيانين ، وحول المسجد الذي يشكل جانبه سور البوابة الشهيرة التي شهدت شنق آخر أولياء المماليك علي يد الغزو العثماني تشكلت هالة زمنية حول شخصية طومان باي الذي تحول بتعلق جسده متأرجحا إلي شهيد وولي يجله المصريون بحجم كراهيتهم للسلطان سليم الأول ، فهنا مات سلطانهم الشهيد بعد خيانة رجال الدولة ، والدولة الحاضرة الآن لا خير يرجي منها ولا أمل فيها ، وزارة الثقافة في كل مواقع القاهرة القديمة هي الممثل الفعلي للدولة ، إذا أشار مخططيها إلي بيت قديم طرد أهله وضم كأثر ، وإذا ماحضر مهندسي مشاريعها فمعناه إنقلاب حياتهم رأسا علي عقب ، ووزير الثقافة في هذه الأنحاء هو المحتسب القديم الذي يقلص حياتهم بأمر من السلطان ، الناس هناك ملتصقون بأحجار الأثر ، سكنوه ونحتوا أرزاقهم في حوانيت بثوها مداخله ومخارجه ، وتأتي الدولة لتنزع الجلد البشري عن عظام الحجر ، وخلف كل هذا المشروع مغزي حضاري إستشراقي بأيدي وطنية يري للأثر وظيفة إقتصادية سلعية لابد من جباية ثمارها حتي لوكان علي حساب البنية الإجتماعية البشرية للمكان ، خلف كل هذه الفلسفة كان يقبع في مكتبه المكيف بمقر الوزارة الشاب أيمن عبد المنعم أحد مماليك الوزير الذي صعد سلم التذلف البيروقراطي للوزارة من البدروم – حيث ألحق في البداية بالعمل كحارس أمن – وصعد بسرعة الصاروخ في أقل من خمسة سنوات ليصبح المتحكم الأكبر في مشروع القاهرة التاريخية ذو الغلة الإستثمارية التي تقارب المليار جنيه ، شركات ومقاولون ومكاتب إستشارية كانت إشارة من يد الشاب الريفي ابن المنصورة – شمال الدلتا - تدخلها أو تخرجها من منجم الملايين الحكومية ، ولأن الفتي عرف من البداية من أين تؤكل الكتف ، ناصر الوزير في خلافه مع الأثريين مثل عبد الحليم نور الدين وغيره ممن إعترضوا بعلمية علي ثقافة الإحلال بالخرسانة ، وفي سنوات محدودة درس السوق المستقبلي للوزارة ، وزارة للمهرجانات الثقافية تحتاج إلي مسحة إحتفالية تسمح للوزير بأن يتحدث أمام سيدته الأولي كل فترة عن إفتتاح أثر مرمم أيا كان ماتخفيه الأسقف والجدران والقواعد من تارخ قد علق علي المشنقة ، وطالما هناك شريط سيقص وفلاشات ستسطع فالوزير في كامل بهاؤه ، وصعد النجم الشاب لينفحه الوزير مع كثرة الشرائط المقصوصة مئات ملايين أخري ويسلمه دفة صندوق التنمية الثقافية الذي يصرف علي كافة مشاريع الوزارة ، يتحدث الوزير في مؤتمر صحفي عقده منذ أيام عقب القبض علي فتاه المدلل بقضية رشوة كبيرة طلبها من إحدي شركات المقاولات عن أن أيمن عبد المنعم لايمكن أن يطلب رشوة صغير هكذا !! وأنه يجب أن يوضع في الإعتبار ما أداه من خدمات وطنية جليلة ، طبعا يري الوزير بمقاييس فساد وزارته ان طلب أيمن من شركة المقاولات أن تشطب له شاليهه في الساحل الشمالي مجرد رشوة صغيرة ! ، وله الحق فالشاب الشهير ب "بتاع الوزير " يملك مثلا شقة بمنطقة الزمالك يصل سعرها إلي ستة ملايين جنيه والمؤكد أن الوزير يعلم عنها لذا يري في نصف مليون – متوسط أسعار التشطيبات في مثل هذه المناطق – رشوة صغيرة جدا ، وللحق لم أري في حياتي ماهو أكثر وقاحة من هذا الرد ، خاصة عندما يستتبعه كلاما علي وزن أنه لايتستر علي أحد وأن كلا من موظفيه" معلق من عرقوبه" ومعني القبض علي أيمن عبد المنعم أن وزارته شفافة جدا ، وذلك ردا علي سؤال حول تعدد حالات الفساد في وزارته ، ثم يردف أنه هو من تقدم ببلاغ ضد تجاوزات محمد حسين مسؤول مشروع آثار النوبة، لكنه لم يكن يعلم طبعا أن الخيط سيكر معه يده اليمني أيمن عبد المنعم ، والمهش في ردود الوزير هو ذلك الجدار العازل الذي يلف به نفسه كلما سقط أحد معاونيه ، وكأن إختياراته لهم لاتعني تحمله المسؤلية بل تصل درجة تواقحه عندما يؤكد أنه غير مسؤل عمن يأخذ رشوة – كأيمن عبد المنعم – خارج اوقات العمل الرسمية!! ، وردا علي سؤال حول تأثير ذلك علي حملته التي ستبدأ للترشح كأمين عام لمنظمة اليونيسكو ، يفصل الوزير بين عبث مماليكه وهذا المنصب الكبير والذي شرفه الرئيس بترشيحه له ، لايجد غضاضة في أن يترشح لمنصب بمؤسسة هي نفسها رفضت الإعتراف بمهازله الأثرية في مشروع القاهرة التاريخية ، ووصل بجبروت عناده أمام جدلهم العلمي الرصين إلي إختراع نظرية اثرية جديدة تؤكد أنه ليست كل حجارة تتهدم أثرا وأنه أحيانا لابد ان يتحكم الشكل النهائي في مضمون مايقوم به الأثريون ، وهي النظرية التي يبدو سيدرسها في اليونيسكو إذا ما قدر له الفوز، ويبدو أن نجاته هو زملاءه من الوزراء من شائعة تعديل وزاري جديد أحتسب في أجواءه من الخارجين الأوائل قد زادت من بارانويته ، خاصا وأن كل المؤشرات تميل إلي عدائية المجموعة الجديدة من أعضاء لجنة السياسات بقيادة الوريث جمال مبارك له ، وتضاؤل إحتياج الدولة لوزير ثقافة بالمفهوم التعبوي الستيني ، علي أن تقتصر الوظيفة التعبوية علي وزارة الإعلام التي ربما تتسلم من الثقافة مشروع النشر ممثلا في الهيئتان الكبيرتان ( العامة للكتاب وقصور الثقافة ) ، وتتحول الآثار إلي مايشبه الوزارة المستقلة ، وهو السيناريو المرجح وتتناقله الهمسات منذ فترة ، وهو تحديدا مادعي البعض إلي إعتبار إنفجار ملف " أيمن عبد المنعم " في وجه الوزير مؤشرا بلم اوراقه ، خاصا وأن جناح فساد الوزارة الثاني الممثل في مدير مكتبه فاروق عبد السلام قابل للحرق هو الآخر ، بل إن التهديدات وصلت إلي إشاعة أجواء حول رجله الأهم د. جابر عصفور الذي يبدو لن يهنأ بإستراحة الدخول في منصبه الجديد بالمركز القومي للترجمة لصيق الصلة بالسيدة سوزان مبارك ، المؤكد أن روائح فساد الوزارة والوزير قد طالت أنوفا كثيرة ، والمؤكد أن فاروق حسني أصبح سيناريو خروجه المعد سلفا قابلا أن يشهد مفاجأة إنتقامية من الطراز الأول خاصة وأنه قليلا ما استطاع التحكم في إنفعاله اثناء الضغط الشديد ، فهل نحن مقبلون علي الفصل الأخير من المسرحية الهزلية ؟.

محمد حجازي


"البورسعيدي محمد حجازي " جنين مشوه في سنوات الضباب
ملف "التحول الديني " يحرق أيادي مشعلي الحرائق
هاني درويش

تأمل حال ضبابية المشهد السياسي الحالي في مصر هي أقرب ماتكون لمسيرة عماء جماعي نحو هاوية لاقرار لها ، كثيرون لايستطيعون في هذه المرحلة الحكم علي كثير من الظواهر الإجتماعية السياسية وفق آلية منضبطة تعلي من شأن معادلة الأسباب والنتائج ، خاصا حين تؤكد النتائج عبثية المقدمات التي أدت إليها ، كثير من القضايا تنفجر أحيانا بعفوية لدرجة التشكيك في أصل عفويتها خاصة عندما تؤل النتائج إلي عكس المتوقع لها ، وتشهد القاهرة منذ بداية هذا العام تنويعات من العزف الجماعي علي ملف الحالة القبطية الذي يتجه نحو مزيد من الغموض المقصود ، بعيدا عن جو الإحتقان الطائفي التقليدي وجدلية علاقة الكنيسة بالدولة وصراع العلمانيين الأقباط مع الكنيسة ، فالملعب القبطي يشهد لأول مرة ذلك الإنفلات الذي سمح بخروج الصوت المسيحي الفردي الذي لم تستوعبه لأول مرة الأواني المستطرقة الطبيعية التي غالبا ما تحتويه ، وهو صوت مكتوم يجد تعبيره الفردي أخيرا خارج سرب الشعب الكنسي المبايع دوما لكنيسة الشعب وحبرها الأكبر ، فيما يتبادل هذا الصوت نفسه صدامه مع الخيال المجتمعي للأغلبية المسلمة المستفزة أصلا من علو الصوت المسيحي ، حالة الإحتقان تبلغ ذروتها مع وصول الأقباط بصراخ التمييز ضدهم – والصراخ علي عكس النضال المنظم غالبا مايؤدي لأفعال عكسية تشنجية من الأغلبية – إلي سدة المحاكم ، حيث تبادل كثيرون داخل المؤسساتين الدينيتين القصف المتبادل حول حدود الإنتقال السمح بين الدينين ، ففيما قانونيا لاتوجد عوائق لتحول المسلم إلي مسيحي إلا أن القضاء المصري وهو المنوط به تغير خانة الديانة في بطاقة الرقم القومي لم يصدر حكما واحدا لمسلم مرتد ، فيما يبدو الإنتقال السلس من المسيحية إلي الإسلام والمرحب به قانونيا وجماعيا من الأغلبية مدعاة أكبر للحديث عن التمييز وغياب الحرية الدينية ، إستغلال الثغرات القانونية السامحة بالتمييز علي خلفية التعاطف الإسلامي العام مع متحولي الديانة من المسيحيين يعمق الإزدواج القيمي للدولة ، خاصا مع جمود القانون الكنسي فيما يخص مسببات الطلاق بين المسيحيين ، الذي يدفع كثير من المسيحيين لإعتناق الإسلام لمجرد أنه يعطيه الفرصة للطلاق ، ثم عندما يحاول نفس الشخص العودة للمسيحية مرة أخري تقف العوائق القانونية التي بثها النظام التشريعي ضد الإرتداد عن الإسلام لتعلن له أن دخول الإسلام ليس مثل الخروج منه ، الكنيسة من ناحيتها والتي ترتكز علي مؤسسة الزواج المقدس لم تسمح في أي لحظة لرعيتها بالخروج بزواجهم خارج أسوار الكنيسة لأي سبب دنيوي فيما نفس السلاح يتحول لينفجر في وجهها فيخرج من المسيحية بسبب صعوبات الطلاق المئات سنويا ، نماذج كثيرة من المتأرجحين بين الديانتان ظهرت علي السطح لتؤكد عبثية الثقة الإسلامية العمياء في إسلام العديد من المسيحيين ، فيما قدمت النماذج نفسها بإحراجها لمؤسسة القضاء الدليل علي التمييز القانوني ضد المسيحية كدين، حالة النظام الحاكم الذي يتمسح في مفاهيم المواطنة بألفاظ مطاطة وعامة في تعديله الدستوري الأخير تتناقض مع التأكيد علي أن الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع في مصر ، البعض أكد ان الدولة قد فوتت فرصة ذهبية عندما لم تحسم دستوريا ذلك الإزدواج بإلغاء نص الشريعة الإسلامية من الدستور ن خاصة وان الأجواء بدت مؤهلة بإستيعاب ذلك مع توجيه ضربات أمنية عنيفة لجماعة الإخوان المسلمين أبان فترة التعديل فيما حوصرت كتلتهم الإنتخابية داخل المجلس النيابي ، كثيرون ممن كانوا يتمنون ذلك من الدولة كانوا يتخيلون ان الدولة بالفعل مع خيار المدنية والعلمانية وهو ماتنفيه الممارسة والنظرية معا ، فالنظرية تاريخيا تؤكد أهمية الغطاء الديني للدولة بدءا من إختيار ناصر للأزهر ليدشن من عليه حملته الجهادية الأولي عام 1956، ومرورا بالحلف الساداتي الصريح مع الجماعات الإسلامية في السبعينيات وإنتهاءا بهبة الدولة الموسمية للتأكيد علي إسلاميتها إذا ما دعت الضرورة ذلك ، والضرورات في الفترة الأخيرة كثيرة، لدرجة تدفع المتأمل الحزين للشك في أن الثورة القادمة ستكون إسلامية ومن داخل النظام نفسه ، بل إن الدولة نفسها ترجمت هذا الإزدواج الدستوري لمصلحتها فألهت الأقباط في جزرة " المواطنة " الفضفاضة ، ولوحت بعصا "الشريعة" في وجه الإخوان ، وتفرغت أخيرا لحصد ثمار بلبلة هذه العطايا ، الأزهر وهو المؤسسة الدينية الرسمية دخلت في خطوط التورط في تقريب السياسي بالديني فغرست أقدام شيخه الأكبر في أكثر من شرك ، والكنيسة الغاضبة من تمييز الأغلبية لها دستوريا بنص الشريعة لم ترفع صوتها وتركت لنجوم الصف الثاني فيها مهمة تهدئة خواطر الشعب المسيحي برفض تطبيق الشريعة الإسلامية علي المسيحيين ، ثم ظهرت جبهة العلمانيون داخل الكنيسة لتثور ثورة ورقية علي سلطة البابا شنود وتضعف من صوته التفاوضي الوحيد مع الدولة ، خاضوا ضده لأول مرة معركة نزع هيبة بتقديم لائحة جديدة للنظام الكنسي تفتت سلطاته الشاملة في هيئة مدنية ، مما دفع كثيرون ليربطوا بين صحوة العلمانيون المتأخرة وإشارة ترحيب سرية أطلقت من الدولة لتهديد البابا شنودة بثورة من داخل سور الكنيسة نفسها ، أما في الشارع الديني نفسه فقد ظهرت معالم التخبط بين الإشارات المتقاطعة ، إرتفع صوت أقباط المهجر مستغلا سابقة رفض الدعوة القضائية للعائدين للمسيحية ، وإنفلت التخبط ليشيع جدلا ساخنا حول تطبيق حد الردة – المجمد صوريا في القانون المصري- عليهم ، إنقشع الضباب لينقل تمييزا دينيا لا تنص عليه القوانين نصا وإن كانت تمارسه عمليا ، ثم كانت حادثة الشاب محمد أحمد حجازي الذي أعلن تحوله للمسيحية لتخلط قضية المتحولون بملف السياسة ، فالشاب البورسعيدي الذي تناقل في فورة الحراك السياسي الأخير من تنظيم إلي آخر ، هاهو يصب نارا طائفية علي ملف المعارضة المصرية ، فقد عرف عنه في بداية عمله السياسي إنضمامه إلي حزب العمل الإسلامي المجمد ، ثم ناشطافي التحالف الواسع داخل حركة كفاية الشهيرة بمعارضتها الصوتية ، ثم إنتقل بعد تجربة إعتقال قصيرة إلي منظمة الإشتراكيون الثوريون أكثر المنظمات اليسارية تطرفا وتناقضا في تحالفاتها السياسية ، ثم ظهر في طبعة أخيرة كأول متحول من الإسلام إلي المسيحية يجهر بذلك في وسائل الإعلام والميديا ، وقد جاء الفتي بالأساس من خلفية معركة أسرية طاحنة ألقت به متخبطا في أحضان الجماعات السياسية المختلفة مع شطط نسبي تمثل في إصداره ديوان شعري ركيك أتهم عليه بتهمة إزدراء الأديان وهي التهمة التي ألقت به في السجن لفترة وخرج منه لتتلقفه حالة السعار التنظيمي من أقصي اليمين لأقصي اليسار ، الفتي الذي يبدو إنتهازيا هشا إختار ببساطة أن يعيش علي المعونات المادية المتتالية من فريق إلي آخر خاصا بعد أن تزوج خلال هذه الأزمة بفتاة صعيدية تمارس تمردا أسريا ونفسيا مواز، يبدو أن إنفضاض الحراك النضالي لكفاية والإشتراكيون ومع هزائمه النفسية المتتالية وحالة الحصار قد دفعته إلي إختار أن ينتحر مجتمعيا ويفجر قضية المتحولين دينيا في وجه الجميع تمردا علي الدين والدولة والعمل السياسي العبثي الذي لم يخرج منه بطلا كبيرا أو صغيرا ، وهكذا تلقف الجميع طعم حجازي ، فإنبري محامي قبطي للدفاع عنه متخيلا أنه شأن قبطي وظهر شيخ التفريق بين الأزواج والحاجز علي أثاث الشعر أحمد عبد المعطي حجازي" الشيخ يوسف البدري" ليتوعده هو ومحاميه بقضية يثأر بها من إزدرائهما سويا للإسلام ، لكن الشاب ومع تكشف الحقائق عن تاريخه العائلي والإجتماعي فالسياسي والنفسي أربك حسابات الجميع بعد أن مزج أكثر من ملف بحماقة داخل قضيته ، كفاية مثلا سارعت بنفي إنتماؤه إليها منذ فترة ، وتنصل حزب العمل عن إفتتاحية مشوراه السياسي بين كوادره ، ثم تنازل المحامي القبطي عن دعواه التي حاول فيها إستغلال رأي المفتي القاضي بلا ردة للمتحول من الإسلام إلي المسيحية والتي صرح بها في صحيفة أمريكية كوثيقة تجبر القضاء الوضعي علي الإعتراف بتحول محمد قانونيا من الإسلام إلي المسيحية ، تنازل المحامي ممدوح نخلة عن دعواه بعد أن تكشف له ان إنتحارية محمد أحمد حجازي ستضر المسيحيين اكثر مما ستفيدهم ، والأخير يبدو بتصميمه في حواراته علي منطقة تحوله -بما إكتسبه من اداء سفساطي من العمل السياسي- مصمما علي إحراج الجميع ، كفاية والإشتراكيون الثوريون مثلا سيرونه دفيئة أمنية ربيت بين كوادرهم حتي يستغل في تشويههم جماهيريا ، والأقباط باتوا يخافون من إستغلال إعترافه بتنصره تحت وطأة إحتياجاته المالية علي جماعة تبشيرية في محاصرة إنجازهم بإحراج الدولة في قضية العائدون إلي المسيحية ، والعقل الجمعي للأغلبية المسلمة غير مصدق ومصدوم من قدرة مسلم علي " التبجح " بالخروج عن الملة أيا كانت أسبابه، حتي الأجهزة الأمنية وهي المنوط بها متابعة مثل تلك الحالات وجدت نفسها في لبخة شديدة لاتستطيع أن تنهج نفس وسائلها القديمة ، خاصة وأن الفتي قد تحولت قضيته إلي قضية رأي عام ، أي أنها لن تستطيع إنهاءها بجلسة وعلقة مراجعة في أقبيتها ، يقف محمد أحمد حجازي كالشبح الذي إنطلق كالعفريت من قنبلة دخان في شارع الوطن يكرهه الجميع رغم أنه ضحية للجميع ، لكنه للأسف كما الطفل المجنون رفع في لحظة غير مناسبة أقنعة الأباء والأمهات فظهر القبح ، أظهر للجميع أن الضباب ما عاد يصلح وحده لطمأنة كل فريق علي موضع قدمه ، وأن المستقبل الغامض لتحويل الوطن للوتارية ضخمة تخلط فيها كل الأوراق لمصلحة البقاء قد تؤدي علي العكس إلي الفناء ، فناء الجميع.